الفصل الأول
المقدمة
سماء نأت عنها سحبها الوردية وقد احتلتها كائنات الهاربيز، تحلق فوق الرؤوس مرفرفة بأجنحتها العملاقة خلابة الألوان بتناغم، وجوهها الأنثوية الفاتنة تناقض أجسادها المكسوة بالريش؛ كل ذلك لا ينفي حقيقة كونها رسل الدمار من العالم السفلي؛ ليس ومخالبها الطويلة والحادة تنتظر الانقضاض على فريستها في أية لحظة، حتى أن البعض فضل الابتعاد عن المشهد برمته والاختباء خلف حصن يدركون تمامًا أنه ليس بآمن، الرائحة العفنة التي تعلن عن وجودها تملأ الأجواء وتزكم الأنوف، الوجوه المبهوتة تتابع المشهد دون ان تمتلك القدرة على التدخل، الجميع ثابت في أرضه والعجز وحده سيد الموقف إلا من أنين مكتوم،
أخذت الكاهنة في ترديد تعويذتها بصوت مرتفع، تشاركها جماعتها ككورال يعزف مقطوعة عنوانها الهلاك، لا مجيب إلا من صيحات جنوده المحلقة فوقهم، نثرت رماد السهم المحترق فوق الضحية الراقدة في المنتصف غارقة في دمائها ثم رفعت ذراعيها نحو السماء المحجوبة كُلِّيًّا الآن وقد بدأ ضباب كثيف في التجمع من فوقها مصاحبًا لارتفاع ألسنة اللهب المنبعثة من شموع العالم السفلي حالكة السواد، ثم أغمضت عينيها؛ تصرخ ملئ حنجرتها بالكلمات التي تحفظها عن ظهر قلب؛ عالمة دون رؤية بالخراب الذي تتسبب فيه، الزروع تذبل، والأرض ترتج من تحتهم احتجاجا، ارتعش لهب الشموع المتراصة على شكل نجمة خماسية أمامها وقد بدأت الرياح تعصف بكل ما حولها، إلا ان قوى غير مرئية عاونتها على الثبات في أرضها كما أتباعها، صرخة أنثوية قوية انطلقت من خلفها جعلتها تفتح عينيها أخيرًا وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على جانب ثغرها؛ لقد أكملت مهمتها والآن قد حان أخيرًا وقت الحصاد
الفصل الأول
( وهج )
ها قد لاح يوم عيد الحب في الأفق؛ أبغض الأيام على نفسي، العالم أجمع يحتفل به مرة واحدة في العام ولكن في مصر تتضاعف الخيرات، لست ناقمة على فكرة الحب نفسها ولكن العكس تمامًا هو الصحيح؛ فها أنا ذا أقرأ عن الحب بنهم جائع وجد وجبته المفضلة، أعايشه كل ليلة ولكن بصحبة أبطال رواياتي التي أدمنها، أحارب بطريقتي الخاصة ذلك الخواء الذي يقتات على نبضات قلبي الوحيد، ربما مفهوم الحب في مجتمعي هو السبب؛ فالحب في الوقت الحالي لا يعدو عن كونه مجرد كلمة خفيفة على اللسان، شحيحة المعاني، مشاعر مسروقة من بين براثن خذلان محقق، ونهايته الطبيعية لفتاة مثلي هو قلب كسير، أنا في غنى عن كل ذلك، لقد اقتنعت أنني أنثى رومانسية بفطرتها لا تصلح للحب ... ذلك الحب، أبحث عن ضالتي بين دفتي كتاب، أغذي فضولي وأثير رتابة نبضات قلبي بمشاعر أعلم بأنها لن تكون لي يومًا، متطفلة على مشاعر أبطالي، أو حالمة أنتقي أحد فتيان الشاشة ليكون رفيق أحلامي، ورغم قناعتي السابقة إلا أنني مازلت أتأثر بذلك اللقب البغيض الذي تنعتني به زميلاتي في الجامعة ... وحيدة ( سنجل ) كما يسمونه، ربما أنا بالفعل أحادية المشاعر بلا شريك فعلي يقاسمني الوجد، ولكني فقط أمقت ذلك اللقب، ذلك هو السبب الوحيد لرحلتي أو ان صح القول هروبي المؤقت إلى الأقصر، ربما أرى فكرة الدمى والورود الحمراء ساذجة بشكل مضحك ولكني رغم ذلك لا أستطيع ان أمنع تلك الغصة التي تستحكم في حلقي كلما ترددت في عقلي كلمة..... ( وحيدة )
...
- " قامت حتشبسوت بتشييد بعض المقاصير الموجودة الآن على جانبي حجرة الزورق المقدس.كما أضافت فى المنطقة الجنوبـيـة من معبد أمون بالكرنك صرح جديد هو المعروف بالصرح الثامن "
تجاهلت كلمات المرشد السياحي وأنا أتكئ بإرهاق على أحد الأعمدة؛ أطالع المكان من حولي وأنا أتلاعب بعقدي الفضي بشرود، انها زيارتي الأولى، ورغم شعوري بالمغامرة إلا انني للأسف لست مهتمة الآن بكم المعلومات التاريخية المفاجئ التي أتلقاها تباعًا دون إلمام مسبق، ربما نرمين صديقتي المهووسة بالتاريخ والتي تدون الآن كلمات المرشد في مفكرتها بحماس تفعل ولكن وبكل تأكيد دينا التي توقفت بجواري لتعبث بهاتفها النقال بملل واضح ليست كذلك، مسكينة.. لقد استطاعت إقناع والدها بشق الأنفس لمشاركتنا رحلتنا، لم تواجه نرمين بالطبع تلك المعضلة خاصة وعائلتها كاملة تشاركها شغفها بالتاريخ، أما عني!!
لا... أنا بالطبع لم أواجه أَيًّا من ذلك، فأنا كالطير حرة، رغم سمائي الغائمة التي لا تسعني؛ وكأنها على اتساعها قد ضاقت بي، لفظتني لأهوي وحيدة فوق ربوة من أطلال.. كآخر أفراد أسرتي الصغيرة وابنة وحيدة لأبوي الراحلين فانا لا أتمتع بتلك الرفاهية، ألم أقل في السابق انني أكره كلمة وحيدة؛ نعم وربما لأنها صحيحة كذلك بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ؛ كيف لا وقد صرت يتيمة بعد أن كنت أقضي أيامي المترفة بين أبوين تركا العالم من خلفهما ليحظى كلاهما برفقة الآخر؛ رفقة استمرت حتى الممات، عشق حرمه الكبار بحجة الفوارق الاجتماعية، وحلله سلطان صارم اسمه العشق؛ سلطان لا يعترف بالفوارق ولا يخضع للقوانين، أب نبذه ذويه وقد أساء الاختيار من وجهة نظرهم، وأم فضلت الهروب على كبرياء هذيل تمسك به ذويها، لتتبدل السعادة فجأة لحزن ألقى بعباءته السوداء على حياتي ووالدتي التي فقدت توأم روحها لمرض عضال، أيام قليلة قضتها كروح هائمة لا تجد الخلاص وقد عجزت عن الحياة دون رفيق روحها انتهت بنومة بلا يقظة،
خمس سنوات، خمس سنوات عجاف المشاعر والانتماء قد انقضوا سريعًا وها أنا الآن وبعد مضي السنين لازلت مبهورة بقصتهما، وناقمة في ذات الوقت... كم أفتقدهما، وكم أصبحت الحياة خانقة من بعدهما... أفقت من شرودي عندما شعرت بيد أحدهم توضع على كتفي، رفعت وجهي نحو دينا التي ابتسمت بإرهاق وهي تقول بينما تمسد معدتها،،،،
- لقد تعبت ونال الإرهاق مني، هيا نلحق بتلك النهمة للمعرفة كي نحظى بطعام لائق وبضع ساعات من الراحة، قبل ان نستعد لسهرة المساء، فغدًا عيد الحب وقد سمعت بينما نمر بقاعة الاستقبال بالفندق ان هناك حفلا لليوم كما الغد
(آاااه هل سيلحقني عيد الحب الى هنا كذلك، ما بال الجميع وذلك اليوم) وصلني صوت ضحكة دينا كرد فعل معتاد على تغضن جبيني ولكني تجاهلت التعليق وانا أعتدل في وقفتي ثم أشرت برأسي في اتجاه صديقتنا الأخرى
- هيا بنا
***
تلفت حولي أحاول تبين المكان الغريب الذي وجدت نفسي به؛ إضاءة خافتة من القمر الذي توارى خلف سحابة رمادية كثيفة هي مصدر الإضاءة الوحيد، صفير الرياح يعلو من حولي مثيرًا لكومة الأتربة التي كادت أن تزكم أنفاسي، سعلت بقوة وأنا أحاول تغطية أنفي براحة يدي.. أين أنا!! تأملت محيطي بتوجس علّى أتعرف على المكان من حولي بلا جدوى، عيناي تبحثان عن بقعة آمنة كي أتوارى خلفها لربما هدأت واستطعت تفسير ما يحدث معي الآن، شهقة خافتة انطلقت مني عندما توقفت عيني على الظل الداكن الطويل الذي سقط على الأرض المتشققة أمامي فالتفت بسرعة نحو مصدر الانعكاس.. قلعة هائلة داكنة اللون انتصبت بشموخ مغاير للخواء من حولها.. قلعة ذكرتني بالقلعة الشهيرة لدراكولا.. وعلى الرغم من تلك الرعشة غير المرغوبة التي أرسلتها فكرتي الأخيرة في كامل بدني إلا انني وجدت نفسي أركض في اتجاهها؛ وكأنها حصني الآمن، كلما اقتربت كلما اتضحت الرؤية أكثر كما تراجع خوفي وازداد ذهولي، فالقلعة الداكنة من السابق قد استحالت لأخرى من الذهب الخالص، مبهرة رغم وحشة محيطها... توقفت أخيرًا وأنا أحدق بانشده في المنظر أمامي وبعد القليل من التردد تقدمت نحو بابها المغلق دافعة له، بصعوبة فرقت بين مصراعيه قليلًا لأجلي حنجرتي،،،
- هل من أحد هنا !!
صدى صوتي كان مجيبي ومصدر الترحيب الوحيد، ومع محاولاتي المستمرة كان خوفي اللعين يتعاظم بداخلي... هممت بدفع الباب أكثر وعندها ....
- ها قد أتيتِ أخيرًا
التفت بسرعة نحو مصدر الصوت لأطالع ذلك الذي لا أعلم كيف ظهر فجأة من العدم؛ طويل البنية، عريض المنكبين، عباءة طويلة داكنة اللون ترفرف من حوله مستجيبة لحركة الرياح وثورة الأتربة، إلا انها لا تزعجه على ما يبدو.. لم أستطع تبين ملامحه مما ضاعف من ارتجاف أوصالي، خطواته تقترب دون تردد؛ أي تردد ذاك والرجل يستطيع ان يطحنني في قبضته دون ان يبذل أدنى جهد يذكر، ابتلعت ريقي وأنا ألتف لمواجهة الباب الشبه مغلق من جديد، أحاول دفعه بكامل قوتي، نظرت من فوق كتفي بخوف لأطالع بترقب تقدمه المتمهل، وكأنه يمتلك كل الوقت لحصار فريسته، لابد وأنه يظنني أورلا تلك التي نعتني باسمها، ولكني لن أتوقف لأحاول تصحيح سوء فهمه الآن بكل تأكيد، انفتح الباب أخيرًا لينشر ضوء ذهبي لامع، قوي لدرجة تجاهلي للتهديد من خلفي وإغماض عيني وعندها.....
- وهج استيقظي سيفوتنا الحفل
اعتدلت جالسة بسرعة وأنا أحدق في وجه صديقتي دينا التي تراجعت شاهقة للخلف وهي ترمقني باستفهام، هل كنت أحلم؟ لماذا بدى لي إذن وكأنه واقع كملمس باب تلك القلعة الذهبية، رفعت كفي أمام وجهي لأتفحصه وكأنني سأرى إثبات ما على واقعية حلمي إلا انني بالطبع لم أجد، ابتسامة ساخرة ارتسمت على ثغري وأنا أخلل أناملي في شعري بينما أحرك رأسي، لابد ان الروايات قد أكملت على البقية المتبقية من عقل لدي، هل وصلت لتلك المرحلة الآن؟ بل وأقوم بالابتكار كذلك وبدلًا عن دراكولا وقلعته الموحشة المليئة بجثث ضحاياه أحلم بأخرى ذهبية وعالم خاليا إلا من كلينا! حمدًا لله انني قد استيقظت قبل أن يحملني بين ذراعيه القويين نحو تابوتنا المزدوج... تجاهلت نظرة صديقتي المتسائلة وانا أترجل عن الفراش ثم تحركت بخطوات واسعة نحو حمام غرفتنا، عيد الحب اللعين لا يكف عن العبث برأسي ولكني سأحاول الاستمتاع بقدر استطاعتي وتجاوز أحلامي الوردية التي تخطت حدود المنطق
( عيد حب سعيد وهج )
سماء نأت عنها سحبها الوردية وقد احتلتها كائنات الهاربيز، تحلق فوق الرؤوس مرفرفة بأجنحتها العملاقة خلابة الألوان بتناغم، وجوهها الأنثوية الفاتنة تناقض أجسادها المكسوة بالريش؛ كل ذلك لا ينفي حقيقة كونها رسل الدمار من العالم السفلي؛ ليس ومخالبها الطويلة والحادة تنتظر الانقضاض على فريستها في أية لحظة، حتى أن البعض فضل الابتعاد عن المشهد برمته والاختباء خلف حصن يدركون تمامًا أنه ليس بآمن، الرائحة العفنة التي تعلن عن وجودها تملأ الأجواء وتزكم الأنوف، الوجوه المبهوتة تتابع المشهد دون ان تمتلك القدرة على التدخل، الجميع ثابت في أرضه والعجز وحده سيد الموقف إلا من أنين مكتوم،
أخذت الكاهنة في ترديد تعويذتها بصوت مرتفع، تشاركها جماعتها ككورال يعزف مقطوعة عنوانها الهلاك، لا مجيب إلا من صيحات جنوده المحلقة فوقهم، نثرت رماد السهم المحترق فوق الضحية الراقدة في المنتصف غارقة في دمائها ثم رفعت ذراعيها نحو السماء المحجوبة كُلِّيًّا الآن وقد بدأ ضباب كثيف في التجمع من فوقها مصاحبًا لارتفاع ألسنة اللهب المنبعثة من شموع العالم السفلي حالكة السواد، ثم أغمضت عينيها؛ تصرخ ملئ حنجرتها بالكلمات التي تحفظها عن ظهر قلب؛ عالمة دون رؤية بالخراب الذي تتسبب فيه، الزروع تذبل، والأرض ترتج من تحتهم احتجاجا، ارتعش لهب الشموع المتراصة على شكل نجمة خماسية أمامها وقد بدأت الرياح تعصف بكل ما حولها، إلا ان قوى غير مرئية عاونتها على الثبات في أرضها كما أتباعها، صرخة أنثوية قوية انطلقت من خلفها جعلتها تفتح عينيها أخيرًا وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على جانب ثغرها؛ لقد أكملت مهمتها والآن قد حان أخيرًا وقت الحصاد
الفصل الأول
( وهج )
ها قد لاح يوم عيد الحب في الأفق؛ أبغض الأيام على نفسي، العالم أجمع يحتفل به مرة واحدة في العام ولكن في مصر تتضاعف الخيرات، لست ناقمة على فكرة الحب نفسها ولكن العكس تمامًا هو الصحيح؛ فها أنا ذا أقرأ عن الحب بنهم جائع وجد وجبته المفضلة، أعايشه كل ليلة ولكن بصحبة أبطال رواياتي التي أدمنها، أحارب بطريقتي الخاصة ذلك الخواء الذي يقتات على نبضات قلبي الوحيد، ربما مفهوم الحب في مجتمعي هو السبب؛ فالحب في الوقت الحالي لا يعدو عن كونه مجرد كلمة خفيفة على اللسان، شحيحة المعاني، مشاعر مسروقة من بين براثن خذلان محقق، ونهايته الطبيعية لفتاة مثلي هو قلب كسير، أنا في غنى عن كل ذلك، لقد اقتنعت أنني أنثى رومانسية بفطرتها لا تصلح للحب ... ذلك الحب، أبحث عن ضالتي بين دفتي كتاب، أغذي فضولي وأثير رتابة نبضات قلبي بمشاعر أعلم بأنها لن تكون لي يومًا، متطفلة على مشاعر أبطالي، أو حالمة أنتقي أحد فتيان الشاشة ليكون رفيق أحلامي، ورغم قناعتي السابقة إلا أنني مازلت أتأثر بذلك اللقب البغيض الذي تنعتني به زميلاتي في الجامعة ... وحيدة ( سنجل ) كما يسمونه، ربما أنا بالفعل أحادية المشاعر بلا شريك فعلي يقاسمني الوجد، ولكني فقط أمقت ذلك اللقب، ذلك هو السبب الوحيد لرحلتي أو ان صح القول هروبي المؤقت إلى الأقصر، ربما أرى فكرة الدمى والورود الحمراء ساذجة بشكل مضحك ولكني رغم ذلك لا أستطيع ان أمنع تلك الغصة التي تستحكم في حلقي كلما ترددت في عقلي كلمة..... ( وحيدة )
...
- " قامت حتشبسوت بتشييد بعض المقاصير الموجودة الآن على جانبي حجرة الزورق المقدس.كما أضافت فى المنطقة الجنوبـيـة من معبد أمون بالكرنك صرح جديد هو المعروف بالصرح الثامن "
تجاهلت كلمات المرشد السياحي وأنا أتكئ بإرهاق على أحد الأعمدة؛ أطالع المكان من حولي وأنا أتلاعب بعقدي الفضي بشرود، انها زيارتي الأولى، ورغم شعوري بالمغامرة إلا انني للأسف لست مهتمة الآن بكم المعلومات التاريخية المفاجئ التي أتلقاها تباعًا دون إلمام مسبق، ربما نرمين صديقتي المهووسة بالتاريخ والتي تدون الآن كلمات المرشد في مفكرتها بحماس تفعل ولكن وبكل تأكيد دينا التي توقفت بجواري لتعبث بهاتفها النقال بملل واضح ليست كذلك، مسكينة.. لقد استطاعت إقناع والدها بشق الأنفس لمشاركتنا رحلتنا، لم تواجه نرمين بالطبع تلك المعضلة خاصة وعائلتها كاملة تشاركها شغفها بالتاريخ، أما عني!!
لا... أنا بالطبع لم أواجه أَيًّا من ذلك، فأنا كالطير حرة، رغم سمائي الغائمة التي لا تسعني؛ وكأنها على اتساعها قد ضاقت بي، لفظتني لأهوي وحيدة فوق ربوة من أطلال.. كآخر أفراد أسرتي الصغيرة وابنة وحيدة لأبوي الراحلين فانا لا أتمتع بتلك الرفاهية، ألم أقل في السابق انني أكره كلمة وحيدة؛ نعم وربما لأنها صحيحة كذلك بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ؛ كيف لا وقد صرت يتيمة بعد أن كنت أقضي أيامي المترفة بين أبوين تركا العالم من خلفهما ليحظى كلاهما برفقة الآخر؛ رفقة استمرت حتى الممات، عشق حرمه الكبار بحجة الفوارق الاجتماعية، وحلله سلطان صارم اسمه العشق؛ سلطان لا يعترف بالفوارق ولا يخضع للقوانين، أب نبذه ذويه وقد أساء الاختيار من وجهة نظرهم، وأم فضلت الهروب على كبرياء هذيل تمسك به ذويها، لتتبدل السعادة فجأة لحزن ألقى بعباءته السوداء على حياتي ووالدتي التي فقدت توأم روحها لمرض عضال، أيام قليلة قضتها كروح هائمة لا تجد الخلاص وقد عجزت عن الحياة دون رفيق روحها انتهت بنومة بلا يقظة،
خمس سنوات، خمس سنوات عجاف المشاعر والانتماء قد انقضوا سريعًا وها أنا الآن وبعد مضي السنين لازلت مبهورة بقصتهما، وناقمة في ذات الوقت... كم أفتقدهما، وكم أصبحت الحياة خانقة من بعدهما... أفقت من شرودي عندما شعرت بيد أحدهم توضع على كتفي، رفعت وجهي نحو دينا التي ابتسمت بإرهاق وهي تقول بينما تمسد معدتها،،،،
- لقد تعبت ونال الإرهاق مني، هيا نلحق بتلك النهمة للمعرفة كي نحظى بطعام لائق وبضع ساعات من الراحة، قبل ان نستعد لسهرة المساء، فغدًا عيد الحب وقد سمعت بينما نمر بقاعة الاستقبال بالفندق ان هناك حفلا لليوم كما الغد
(آاااه هل سيلحقني عيد الحب الى هنا كذلك، ما بال الجميع وذلك اليوم) وصلني صوت ضحكة دينا كرد فعل معتاد على تغضن جبيني ولكني تجاهلت التعليق وانا أعتدل في وقفتي ثم أشرت برأسي في اتجاه صديقتنا الأخرى
- هيا بنا
***
تلفت حولي أحاول تبين المكان الغريب الذي وجدت نفسي به؛ إضاءة خافتة من القمر الذي توارى خلف سحابة رمادية كثيفة هي مصدر الإضاءة الوحيد، صفير الرياح يعلو من حولي مثيرًا لكومة الأتربة التي كادت أن تزكم أنفاسي، سعلت بقوة وأنا أحاول تغطية أنفي براحة يدي.. أين أنا!! تأملت محيطي بتوجس علّى أتعرف على المكان من حولي بلا جدوى، عيناي تبحثان عن بقعة آمنة كي أتوارى خلفها لربما هدأت واستطعت تفسير ما يحدث معي الآن، شهقة خافتة انطلقت مني عندما توقفت عيني على الظل الداكن الطويل الذي سقط على الأرض المتشققة أمامي فالتفت بسرعة نحو مصدر الانعكاس.. قلعة هائلة داكنة اللون انتصبت بشموخ مغاير للخواء من حولها.. قلعة ذكرتني بالقلعة الشهيرة لدراكولا.. وعلى الرغم من تلك الرعشة غير المرغوبة التي أرسلتها فكرتي الأخيرة في كامل بدني إلا انني وجدت نفسي أركض في اتجاهها؛ وكأنها حصني الآمن، كلما اقتربت كلما اتضحت الرؤية أكثر كما تراجع خوفي وازداد ذهولي، فالقلعة الداكنة من السابق قد استحالت لأخرى من الذهب الخالص، مبهرة رغم وحشة محيطها... توقفت أخيرًا وأنا أحدق بانشده في المنظر أمامي وبعد القليل من التردد تقدمت نحو بابها المغلق دافعة له، بصعوبة فرقت بين مصراعيه قليلًا لأجلي حنجرتي،،،
- هل من أحد هنا !!
صدى صوتي كان مجيبي ومصدر الترحيب الوحيد، ومع محاولاتي المستمرة كان خوفي اللعين يتعاظم بداخلي... هممت بدفع الباب أكثر وعندها ....
- ها قد أتيتِ أخيرًا
التفت بسرعة نحو مصدر الصوت لأطالع ذلك الذي لا أعلم كيف ظهر فجأة من العدم؛ طويل البنية، عريض المنكبين، عباءة طويلة داكنة اللون ترفرف من حوله مستجيبة لحركة الرياح وثورة الأتربة، إلا انها لا تزعجه على ما يبدو.. لم أستطع تبين ملامحه مما ضاعف من ارتجاف أوصالي، خطواته تقترب دون تردد؛ أي تردد ذاك والرجل يستطيع ان يطحنني في قبضته دون ان يبذل أدنى جهد يذكر، ابتلعت ريقي وأنا ألتف لمواجهة الباب الشبه مغلق من جديد، أحاول دفعه بكامل قوتي، نظرت من فوق كتفي بخوف لأطالع بترقب تقدمه المتمهل، وكأنه يمتلك كل الوقت لحصار فريسته، لابد وأنه يظنني أورلا تلك التي نعتني باسمها، ولكني لن أتوقف لأحاول تصحيح سوء فهمه الآن بكل تأكيد، انفتح الباب أخيرًا لينشر ضوء ذهبي لامع، قوي لدرجة تجاهلي للتهديد من خلفي وإغماض عيني وعندها.....
- وهج استيقظي سيفوتنا الحفل
اعتدلت جالسة بسرعة وأنا أحدق في وجه صديقتي دينا التي تراجعت شاهقة للخلف وهي ترمقني باستفهام، هل كنت أحلم؟ لماذا بدى لي إذن وكأنه واقع كملمس باب تلك القلعة الذهبية، رفعت كفي أمام وجهي لأتفحصه وكأنني سأرى إثبات ما على واقعية حلمي إلا انني بالطبع لم أجد، ابتسامة ساخرة ارتسمت على ثغري وأنا أخلل أناملي في شعري بينما أحرك رأسي، لابد ان الروايات قد أكملت على البقية المتبقية من عقل لدي، هل وصلت لتلك المرحلة الآن؟ بل وأقوم بالابتكار كذلك وبدلًا عن دراكولا وقلعته الموحشة المليئة بجثث ضحاياه أحلم بأخرى ذهبية وعالم خاليا إلا من كلينا! حمدًا لله انني قد استيقظت قبل أن يحملني بين ذراعيه القويين نحو تابوتنا المزدوج... تجاهلت نظرة صديقتي المتسائلة وانا أترجل عن الفراش ثم تحركت بخطوات واسعة نحو حمام غرفتنا، عيد الحب اللعين لا يكف عن العبث برأسي ولكني سأحاول الاستمتاع بقدر استطاعتي وتجاوز أحلامي الوردية التي تخطت حدود المنطق
( عيد حب سعيد وهج )