الفصل السابع

"قمر"

قديمًا عندما كنت طفلة صغيرة تحلم أحلام وردية جميلة، كنت أحلم بفجوات زمنية اتنقل بها حيث أشاء ومعي أمي، الجميع يكنون لنا الاحترام والحب، وتغمرنا السعادة.
الآن أتنقل بين الفجوات تارة وحيدة ولكن بدون أمي -عكس أحلامي- وتارة ومعي غريبة أطوار يتغير شكلها بتغير المكان الذي تذهب إليه، بالإضافة إنني لست سعيدة كما في أحلامي بل خائفة! خائفة كثيرًا.

لمَ لا تتحقق الأحلام؟ لمَ لا تبقى الأمهات بجانبنا كما كنا صغار، تحمينا وتنقذنا من كل سوء وتصبحن بطلاتنا الخارقات؟
لمَ؟ لمَ تذهبن الأمهات باكرًا هكذا..

فقت من شرودي على صوت يأتي من بعيد، لم أستطع معرفة كنهه لعدم وجود إضاءة كافية، فلا يوجد شيء مضيئ في هذا المكان سوى البقعة التي أجلس بها في الزنزانة التي أنا بداخلها.

حقًا لا أفهم شيئًا، كل ما فعلته هو إنقاذ روح بريئة فقط، هذا كل ما في الأمر!

ظل الصوت يتردد بضع دقائق ثم أختفى نهائيًا، لأعود لعزلتي في الظلام الدامس من جديد.










"رائد"

-ماذا تعني بأنه لا يوجد حل؟
بالتأكد لن أظل جالسًا هنا بينما قمر في خطر.

قلت هذه الجملة واقفًا، أستعد للرحيل ولكن لا أستطيع بسبب احمد وشقيقته زينو.

-اسمعني يا أخي، اخاف عليك من ساحرة طروادة، يجب أن تفهم أن بمجرد خروجك من هذا الباب ينتهي كل شيء.

قالها أحمد بأسف كبير وهو يشد على يدي.

لتضيف شقيقته بتوتر:
-ستسيطر عليك الساحرة عائشة بمجرد خروجك من هنا، وهذا يزيد من قوتها ويجعلنا نعاني نحن أيضًا؛ فكلما زاد حراسها زادت المدة التي سنظل بها في ظل هذا الظلام الدامس.



سألت باستغراب:
-ولماذا لا تشرق الشمس بوجودها؟

اجابت زينو وهي تجلس من جديد بعدما كانت واقفة تمنع خروجي:
-تضعفها، الشمس تقتلها!


وضعت رأسي بين يداي من ضعفي وقلة حيلتي، وأخذت أفكر عما أستيطع فعله، فكرت أن أتصل بالشرطة ولكنها كانت أسخف فكرة على الاطلاق، فأنا لا يوجد معي هاتفي، وحتى لو معي لا اعتقد كثيرًا أنه سيعمل هنا في طروادة.
والأسخف من هذا لا يوجد هنا شرطة!



رفعت راسي من جديد عندما خطر سؤال على ذهني وكعادتي كل ما يخطر على ذهني لا ابتلعه أبدًا ويخرجه فمي:
-وكيف كنتم تجلسون بالأيام بل بالشهور محبوسين في المنزل؟ كيف كنتم تأكلون وتشربون؟


قال أحمد:
-كان هناك طريقة للخروج، نادرة جدًا..لكل بيت في المدينة لها حق بواحدة منها

سألته:
-ما هي؟

قالت والدته:
-قلادة طروادة، تستيطع الخروج بأمان طالما هي في عنقك، ستحميك من الساحرة وسترجع بيتك سالمًا.

قلت بتعجب:
-ولماذا قلتم لا يوجد حل؟
أين هي هذه القلادة، أرجوكم أعدكم بأنني سأعيدها لكم فقط انقذ قمر..أجدها فقط وسأعيدها.

قال أحمد وهو يضع يديه على كتفي:
-للاسف لا يوجد منها الآن، كان يوجد منها كمية محددة وتدمرت في آخر مرة عندما استخدمنا قيادتنا جميعًا للتخلص من الساحرة.

ثم أردف:
-أنا أيضًا أود كثيرًا إنقاذ قمر طروادة، بل لهو شرف عظيم لي أن أشارك في هذا العمل، ولكن ماذا أفعل؟ لا يوجد بأيدينا ش...


-بل يوجد.

قالتها زينو فجأة، فحدقنا صوبها جميعًا نتظر أن توضح لنا ماذا تعني،
ابتلعت ريقها، ثم أغمضت عينيها وأخذت نفسًا طويلًا ثم أردفت وهي تنظر لي مباشرة:
-هناك جزء من القصة أنت لا تعرفه،
عائشة أي ساحرة طروادة كانت صديقتي المقربة منذ نعومة أظافري، كنا معًا دائمًا، كنت بجانبها وكانت بجانبي في أشد أوقاتي حزنًا، عائشة لم تكن سيئة كما الكل يراها الآن هي فقط كانت تتعرض للإهانة والضرب والسب لمجرد أنها خلقت فتاة، كانت مهمشة في حين أن المدينة تتحدث عن قمر طروادة ووقت ظهروها ويمجدونها، رغم أن عائشة لها الحق في الحكم لأنها تقرب للعائلة المالكة الدرجة الثانية، ولكن كان لا يرغب بها أحد!
فقررت عائشة الانتقام، فإن لم تكن لها أثرًا بالحسنى، قررت أن يكون لها أثرًا بالطريقة التي يفهمون بها.


ظللت واقفًا دقيقتين ثم تساءلت:
-كانت؟ أم مازالت صديقتك؟

قالت وهي تنظر في جميع الاتجاهات إلا عيناي:
-كانت.
فبعد أن أصبحت ساحرة وتم استبعادها، انتهت علاقتي بها نهائيًا.

عقدت حاجباي قائلًا:
-وما الطريقة؟

قالت زينو:
-معي قلادة.

تفاجأت وظللت صامتًا ولكن شقيقها ووالدتها قالا في الوقت ذاته:
-ماذا!

قالت زينو بتوتر وهي تنظر لشقيقها:
-حسنًا أعرف أنه غريب قليلًا، واعرف أنكما ستغضبان عليّ لأنني لم أخبركما ولكن استطعت إنقاذ واحدة فقط من أخر مرة.


تنهدت الصعداء وقلت بابتسامة لم أستطع إخفائها:
-أين هي هذه القلادة؟





"قمر"
توهج يأتي من أخر الممر، يدق قلبي بعنف وأجد صعوبة في التنفس، أشعر وكأني أشاهد فيلمًا مرعبًا، لطالما كنت أخاف من أفلام الرعب ولا استطيع مشاهدتها وحدي، كان هناك استثناء واحد لمشاهدتي لها وهي وجود رائد معي،
وليته معي الآن!
أين انت يا رائد؟

استمر التوهج بالاقتراب وعادت الاصوات تتردد في الارجاء من جديد، حبيبات العرق بدأت تتكون على عنقي، وضعت رأسي بين راحتي يدي وأخذت اطمئن نفسي:
-سيزول هذا...أنا واثقة لن يتركني الله.
سيزول..
سيزول..
سيز...


-لن يزول.

رفعت راسي ببطء لأجدها أمامي، ملامحها كما هي لم تتغير ولكن أشتدت قسوة، مازالت عيناها تتوهج بشكل غريب، لونها داكن مائل إلى الأحمر، فستانها أسطوري قصير يصل إلى أول ساقها ثم يميل تدريجيًا وينتهي عند ركبتيها لم أستوعب ووجدتني أقول:
-فستانك جميل.


ظلت تحدق بي من أعلى إلى أسفل وهي مائلة على الحائط ثم اعتدلت في وقفتها وقالت بنصف ابتسامة:
-أعرف.

سألت بوهن بينما أضع يدي على عيني:
-لمَ المكان مظلم، وكيف أتينا إلى هنا؟ بل لمَ أنا هنا في زنزانة؟!

بدأت بالسير داخل الغرفة أمامي قائلة:
-واحد، لمَ المكان مظلم؟ لأننا ببساطة في منزلي وأنا أود ذلك.
اثنان، كيف اتينا إلى هنا؟ ليكن هذا درسًا لكِ بثقتك بالناس، لا تثقي أبدًا في أحد لدرجة أن تريه أشيائك القيمة كعصا طروادة.
ثلاثة، لمَ أنتِ في زنزانة؟ ليكن إجابة السؤال الاول نفس إجابة السؤال الثالث حاليًا.

ثم وقفت فجأة مكانها وقامت بتصفيق حار لنفسها وقالت:
-والآن دوري في طرح الأسئلة.

عقدت حاجباي بغضب قائلة:
-ولكن هذا غش! لم تجيبي إجابات شافية لي.


أخذت تنظر لأضافرها قائلة:
-ولكنها شافية لي.

ثم التفت واختفت قليلًا وعادت بمرآة وقالت:
-الآن دوري..
واحد، لمَ عدتي؟
اثنان، لمَ أنقذتي ساحرة طروادة ومنافستك الاولى يا قمر طروادة؟
ثلاثة، صراحة لا يوجد ولكن لنعتبره سؤالا لنتساوى.



فتحت فاهي قليلًا وقلت:
-لم أفهم.

لم تنبت ببنت شفة واستمرت بالتحديق بي بصمت، قتنهدت وقلت:
-واحد، أنا لم أعد من مكان! حتى إنني لا أعلم ما هي طروادة.
اثنان، أنا قمر قمر فقط لست قمر طروادة ولا أعرفكِ أصلًا حتى تصبحين منافستي الاولى.
ثلاثة، أعرف أنك لم تسالي شيئًا ولكن لتكن إجابته هي سؤالي، هلا تشرحين لي؟


أمسكت بالمرآة وحدقت بها ثم أخذت تصلح خصلات شعرها عشوائيًا قائلة:
-لا أعلم لمَ لا أستطيع تصديقك..
كيف سأصدق بأن ملكة طروادة والتي هي والدتك لم تخبرك بشيء قط؟


قلت بتعجب:
-والدتي؟ اتعرفينها؟

تنهدت قائلة:
-أيعقل ألا أعرفها
الجميع يعرفها.

حدقت بي مرة أخيرة ثم اقتربت من باب الزنزانة وأردفت:
-هل فعلًا لا تعرفين شيئًا قط؟ ولم تأتي إلى طروادة بإرادتك؟

حركت رأسي قائلة:
بالطبع لا أعرف.

دارت بعينيها في المكان وقالت:
-أمك هي ملكة المدينة أي ملكة طروادة.
كانت تدير المدينة كلها وتهتم بمشكلاتهم جميعًا بتواجدها معنا يومين فقط في الاسبوع!
أحيانا كانت تحدث استثناءات وتمكث أكثر ولكن لم تكن كثيرة،
نحن في طروادة، ووالدتك رحلت وتركت المدينة وتركت، كانت تقول الرؤى أن ظهروك سيأخذ بعض الوقت بعد وفاة والدتك ولكن أرى أنك لم تتحملي وجئتي بسرعة.

-عندما ماتت الملكة سهير، لم أشهد هذه اللحظة لقد كنت منفية من طروادة، والان لقد عدت ووالدتك ليست هنا..
ولن تكون.


وضعت يدي على فمي وقلت بعد تصديق:
-لا أصدقك، تكذبين.

هزت راسها نفيًا وقالت بنصف ابتسامة:
-إنها الحقيقة، صحيح أن والدتك ليست هنا لتمنعني، وسأعود لحكم طروادة ولا يوجد أي عائق أمامي إلاكِ.

ثم ابتسمت ابتسامة كبيرة:
-ولكن لا تقلقي حلت هذه المشكلة تمامًا...
ثم اقتربت أكثر وهمست:
-فأنتِ لن ترى الضوء مرة أخرى.







"رائد"

-انا لا أفهمكم! ما المشكلة القلادة ووجدناها حمدًا لله، ما العائق لخروجي الآن؟


قالت زينو:
-لأن هذه القلادة غير مكتملة، لا تمكث معك سوى ساعتين لا غير.

قلت بتشتت:
-حسنًا، سأحاول العثور على قمر قبل انتهاء المدة.

قال أحمد:
-مستحيل.
هذا الوقت لا يكفي لشيء.

أغمضت عيني لتسقط أول دمعة لي منذ وصولي، سمعت صوت زينو تقول:
-لا تفقد الأمل، مازال هناك حلًا..
ثم أردفت:
-ولكنه صعبًا.

مسحت الدمعة الوحيدة التي سقطت وقلت ببحة:
-لا يهم، ما هي؟

نظر أحمد وزينو لبعضهم البعض وقالوا في الوقت ذاته:
-جبل إيدا.

ثم أردفت زينو:
-جبل ايد المكان الوحيد الذي يمكن نسخ القلادة منه، ووقته مناسب، منه تستيطع التأكد من وجود معك قلادة سليمة، ومنه تستطيع الحصول على أكثر من قلادة لقمر عندما تجدها، ولنا لكي نساعدك، وباقي المدينة كلها..


ثم أكمل أحمد:
وباقي المدينة إن ساعدتها ستساعدك حتمًا.

قلت:
-ما هو هذا الجبل؟

بادرت زينو بالإجابة لتقول:
-هو عبارة عن كتلة صخرية تبلغ مساحتها حوالي 700كيلو متر مربع ويسمى بوادي طروادة.
هذا الجبل هو مسرح للعديد من الأحداث الأسطورية في أعمال هوميروس.

واضاف احمد:
-ولكن الجبل كل المكان المقدس للإلهة.

لتضيف والدتهما:
-حدث الكثير من الأشياء على هذه الأرض، الكثير من الحروب والمعارك، اجتمعت الآلهة الأولمبية لمشاهدة تقدم المعركة الملحمية.

لتقول زينو من جديد:
-أي أنه مكان مقدس للغاية..

-ولكنه خطير أيضًا..
أضافها أحمد.

فقالت زينو معقبة:
-لا يسمحون بدخول أي شخص لوادي طروادة وخاصة إن لم يكن من أهلها.

ثم قال أحمد:
-وايضًا يوجد أنواع خطرة من الحيوانات، وهناك ذئاب، وغزلان كثيرة وخنزير بري، وابن آوي.

قلت:
-ابن آوي؟
قالت زينو:
-نعم، ابن آوي الذهبي أو ابن آوي الآسيوي أو يسمى أيضًا بالشائع.

أضاف أحمد:
-كما يسمونه في هنغاريا الذئب النمساوي المجري.

أضفت أنا أيضًا:
-وفي بلاد الشام يسمى الواوي.

قالت زينو:
-نعم، كما أنها جالبة للموت..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي