الفصل الثالث

وهي جالسة على مائدة السفرة تقطع الخضروات، سمعت نعيمة بصوت فتح الباب الخارجي للبناية، وصوت خطواته التي تعلمها جيدًا ، بحكم العادة، نهضت عن كرسيها تفتح باب شقتها فراته هو كما توقعت . يخطو لداخل البيت بزهو رغم حمله لعدة اكياس للفاكهة والخضروات، جسده الضخم وهو يرتدي جلبابه الصوفي ، والعباءة الملقية بإهمال على كتفييه، توحي لمن يراه عن بعد، بالهيبة والأصل الطيب، بشرة وجهه الممتلئ و المرقطة بالعرق دائمًا، توحي بنضارتها عن رخاءه المادي وعدم الشقاء، خلو باله من الهموم والمسؤلية، تبسمت نعيمة بمرارة وهي تهمس لنفسها :
- طبعًا وهو هايهمه ايه ولا هايشيل الهم ليه؟ ماهو متهني مع مرته اللي بيحبها وتولع الجديمة ..ايه يعني؟! وانا هاستغرب ليه ان دمهم يقبل بعض، وهما الاتنين يشبهوا بعض في حب النفس وموت الضمير.، صح اللي جال، ان الطيور على اشكالها تقع .

التفت عليها سليمان وهو يخطوا لداخل منزله، محمل بعدة اكياس للفاكهه والخضروات.. رفع حاجبه مندهش وقوفها على باب شقتها في هذا الوقت، القى عليها التحية بصوته الخشن :
- مساء الخير .
ردت نعيمة اليه التحية وهو اكمل يتخطاها حتى يصعد الدرج، اوقفته " نعيمه"هاتفة:
- استنى عندك، انا كنت عايزة اقولك حاجة ياابو "زينب ".
اللتفت لها بوجه عابس يرد مشددًا على احرف الكلمات:
- انا اسمى ابو ناصر ياست نعيمة، ابو زينب دى كانت زمان جبل مااخلف الولد وابجى ابو الواض

نعيمه بابتسامة باهتة من تلميح زوجها الخبيث:
- دا للناس اللى بره، لكن انا باندهك باسم بتك اللى نجحت النهارده وجابت مجموع عالى
زينب والتي خرجت هي الاخرى على اصوات الاثنان :
- صح يابوى انا نجحت النهارده وجبت مجموع كبير ..
حدق سليمان في ابنته لعدة لحظات وهو رافع احدى حاجبيه قبل ان يتكلم بنبرة فاترة :
- مبروك، يعنى على كده بقى انتِ خلصتى الثانوي اللي كنتي ناحلة وبري فيها بالدروس الخصوصية؟
اومأت زينب برأسها دون صوت، فصمت هو مرة اخرى وهو يحدق في ابنته قبل ان يستدير فجأة يهم الصعود على الدرج وهو يقول :
- طيب خلاص يازينب، هابجى ابعتلك مع اخوكى" ناصر" حلاوة نجاحك، عايزين حاجه تانيه ؟
حينما لم يجد منهم ردا غير السكوت اعتلى الدرج ليصعد الى زوجته " صفا" واولاده
زينب وهى تنظر الى والدتها التى ظهر الحزن جلياً على قسمات وجهها:
- هو ابويا مش فرحان ليا ياما ؟
نعيمه لم تتفاجأ برد فعل زوجها ورغم ذلك اصابتها خيبة امل منه، فهي كانت تنتظر منه على الاقل ان يفرح بنجاح ابنته ويُسعد بفرحه طفلتها ولكن هذه عادته ولن يتغير عنها، نظرت نحو ابنتها المصدومة من رد فعل ابيها، فنغزها قلبها اشفاقًا عليها، وبرد فعل عكسي غلفت وجهها بقناع الامبالاة وهي ترد عليها :
- انتِ بتجولى كده ليه ؟
ردت زينب بتشتت :
- ياما دا بيجولى مبروك، من غير نفس .
تحركت نعيمه لتدخل البيت وهي تأمرها :
- تعالي ادخلي وما يهمكيش حد، فرح ولا مافرحش، مهمكيش منه ، كفاية انا فرحانلك ياستي، المهم بجى بكره تكلميه عشان يدخلك كلية زينه بمجموعك الكبير
زينب وهي تتحرك باَلية :
- حاضر ياما انا بكره لو هو مدخلش عندينا هاطلعلوا انا عند صفا واكلمه عن يوم التنسيق .

*******************
فى اليوم التالى همت زينب باالصعود الى والدها كما قالت لها نعيمة كي تقنعه بالتقدم لكلية تليق بدرجاتها العالية، ارتدت اسدالها ولفت حاجبها وقبل ان تصل لباب الشقة حتى تفاجئت بالطرق عليه وصوتٍ انثوي يهتف من الخارج للدخول، فتحت زينب الباب ولكنها تفاجأت اكثر حينما وجدت صفا بزيارة غريبة وغير مسبوقة تقف امامها ومعها امرأتان لا تعلمهم ولم يسبق لها ان رأتهم سابقًا، يحدقن بها متفحصات بأعين متربصة كالصقور من راسها الى اخمص قدميها، ابتسمت صفا ابتسامة كبيرة بعرض وجهها الممتلئ وموده غير معهوده :
- ازيك ياحبيبة قلبي، عاملة ايه النهاردرة؟
ردت زينب بذهول :
- اهلًا ياخالتي صفا، انا زينة والحمد لله، هو انتِ عايزة حاجة؟
بمحبة مصنعة قالت :
- طب سلمي يابت الأول على الناس الضيوف ولا انتِ هاتتكسفي منهم ؟
تقدمت زينب نحو المرأتان تمُد كفها للمصافحة بارتياب، فجذبتها المرأة الأولى تقبلها في وجنتيها عنوة اثارت رعب زينب التي جاهدت لإخفاءه وعدم اظهار امتعاضها:
-- اهلًا ياحبيبتى ماشاء الله عليكي اسم النبي حارسك وصاينك .
قالتها المراة المتشبثة بزينب والتي فور ان نزعت نفسها عنها بصعوبة وعدم ارتياح جذبتها الأخرى لتفعل نفس الشئ، بشكل اثار استيائها خصوصًا هي تشعر بيد المراة على اضلعها وكأنها تتبين حجم الدهون بها، تراجعت عنهم بخوف وهي تدري لما سبب انقباض قلبها منهم ومن هذه الزيارة الغريبة.

بقلب وجل تراجعت زينب للداخل تريد الهرب او الذهاب بعيدًا عن أعين هاتان المراتان المريبتان ومعهم صفا التي لن تكن زياتها ابدًا تبشر بالخير ولكنها فاجائتها مرة اخرى وهي تسألها بابتسامتها السمجة والمزعجة:
- امك موجودوة يازوزو ؟
رددت بداخلها مذهولة اسم الدلال الخارج من فمٍ صفا :
- زوزو! ودا من امتى ؟
خرج صوتها ببعض الثبات:
- امك جاعدة جوة بتأكل الطيور .. هو انتوا عايزين حاجة؟
صدرت ضحكتها المائعة وهي تخطو لداخل الببت وتدعو النساء ايضًا للدخول حتى انها ازاحت زينب بخفة وهي تقول بتفكه بغير محله:
- طب مش تدخلينى الاول يابت، انا والضيوف وبعدها اتكلمي واسالي، يخرب مطنك يازينب .
كشرت زينب بوجهها ممتعضة وهي ترى صفا تدلف لداخل الشقة ومعها زوج النساء المريب وكانها صاحبة بيت حتى دعتهم للجلوس على كنب الصالون الموجود بوسط الشقة، دلفت زينب خلفهم وهي تقول:
- طب انا هادخل جوا اروح اندها.
خرج صوت المراة الاولى يوقفها :
- لا استنى عندك يازينب وتعالي اجعدي هنا جمبي شوية.


.. يتبع

#امل_نصر
#بنت_الجنوب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي