الفصل الثالث

٣
فى ارض مطار فلوريدا تجمعت اسرة جايدا العربي حتى تودعها  بنظرات بارده  لا حياة  فيها خلت من اى تعبيرات سلمت  جايداعلى أسرتها  بالرغم من حالة الحزن المسيطرة على اسرتها
  بعد ان انتهى عامل المطار بوضع حقائبها على عربة داخل المطار خاصة بنقل حقائب المسافرين .
بعد ان ودع  وجدى ابنته بقلب اب يخشى على ابنته  يشعر كأن روحه قد انتزعت منه لكن ما باليد حيلة عزاءه الوحيد انها ستكون فى يد أمينه بعد ساعات قليلة لعل ذلك يخرجها من حالة الحزن التى تنتابها يشعربها لكنه لا يظهر لها ذلك  فؤاده يؤلمه على ما ألم بها لكنه القدر لا يمكنه  تغييره  .
هاتف أخيه يبلغه بأن ابنته غادرت فلوريدا ،فى الطريق اليهم  أوصاه عليها فجايدا ابنته الغالية ،فلذة كبده يحس بأنها بمرحله من التوهة والتخبط لا يعلم سببها لذا أصر على نزولها الصعيد لعلها تعود كما كانت من سنين.
انهت اجراءات سفرها بوجه مكفر تعددت الاسباب والحصيلة واحدة هكذا صرحت فى خاطرها شتان بين المغادرة الاولى من الأراضي الامريكية والثانية .
خيمت معالم القهر على قسمات وجهها   لتمتد كف يدها  تحسس على بطنها المسطحة  تائهة فى العالم الاخر طوال فترة مكوثها بالطائرة لم تفق الا على صوت قائد الطائرة يخبرهم :
-سادتي سيداتي نحن الأن على أعقاب الوصول الى مطار المنيا  نرجو من الجميع ربط الاحزمة استعدادا للهبوط حمداً لله على سلامة الوصول أجازه سعيدة للجميع .
بنفس مكسورة تئن وجعا  ترجلت من الطائرة لتطأ أقدامها أرض المطار ،كيف لا تكسر روحها  هنا يخلد جسد طفلها الرضيع فى الثرى .
حين فقدته  جردت روحها من جسدها  .
هكذا تقضى  وقتها جسدا بلا روح  لولا ايمانها بالله لتخلصت من حياتها .

كان بانتظارها فى ساحة استقبال الزوار  عمها  عمر وعلى اشقاء والدها  لم تتعرف عليهم بل هم من عرفوها  سلمت عليهم  بالأيدي دون اجتياح مشاعر صلة الرحم فهي تراه منفى نهايته الموت 
انتفضت اثر معانقة شاب فى أواخر العشرينات ذات بشرة بيضاء مائلة للسمراء من أثر أشعة الشمس لها من الخلف  مغمغما بصوت يملؤه العاطفة :
-  المنيا نورت  بيكى ياحبيبة أخوكى

تخلصت من أحضانه والبسمة تعلو شفتيها لتختطف وقتا قصيرا من الزمن تضفى روحها المرحة على الاجواء قبل ان تبدل باخرى فاتره لا روح  فيها  سوى أنفاس تشهق وتزفر  شاكسته حين أردفت:

كفاية نورك ياروهان فى المكان احنا التنين اكده ها نعمل جافله بكفاياها انت   اكده مش هاتلاحج وزارة الكهرباء من شكاوى المواطنين تطالب بترحيلنا من البلاد .

استقبلها الجميع ببسمه تزين الوجوه لا تعلم إن كانت حقيقيه أم مزيفه؟
ففي كل الحالات لن تمكث هنا طويلا لذا لن تشغل ذهنها بالتفكير  فى الأمر .
  اندمجت مع الجميع بعد ان تعرفت على أشقاء والدها أولادهم ،ازواجهم ،جدتها، عمتها رقية  التى شعرت منذ الوهلة الاولى  لرؤيتها بأنها ليست على ما يرام.
انتفض الجميع من مجلسه فزعا ليسود الهدوء الحذر على المنزل بعد اجواء الفرحة .
بسرعة البرق مدد جسد رقية على الاريكة التى تتوسط غرفة المعيشة   زوجها متمسك بكف يدها لا يبارحها لكن جايدا نزعت كف يده   قاست النبض وجدته ضعيفا  طالبت من زوجها الاتصال بالمشفى وضرورة مجيء سيارة اسعاف فى اقرب وقت لأن حالتها لا تنذر بالخير .
تحدثت بلهجة عمليه  حتى تتعرف على حالة المريضة بنوع من الدقة :
-هي عمتي رقيه بتعانى من اى مشاكل فى القلب
نكس الجميع وجهه  فعلمت  ان تخمينها صحيح لم تتحدث معهم  ثانيا لكنها طلبت تقرير عن حالتها .
حين وصلت بها المشفى طالبت بتجهيز غرفة العمليات بعد ان اطلعت على اوراق الحالة لكن ادارة المشفى احتجت على قرارها  اضطرت الى اخراج اوراقها التى تثبت مزاولتها لمهنة الطب .
جهزت غرفة العمليات فى وقت قصير ونقلت المريضة الى هناك عبر الفراش النقال  .
حاولت جايدا بث الطمأنينة الى عائلتها حين رسمت ابتسامة ترسل لهم الامل فى القلوب لتعافى مرضتهم وعقبت ذلك ب:
-اوعاك ياجدى تكون  مجلل منى حفيدتك بردوك عملت  عمليات كتير  بشكل ده واصعب منيها وخفوا وبير محوا رمح دلوك كيه الحصان  دعواتك بس وهاتقوم منها بخير ارمى تكالك على اللى خلقك هو ارحم عليها منك.
قبلته على جبهته ورحلت نحو غرفة العمليات
هاتف يحيى محمد ليطمئن عليه انتفض من مجلسه حين أبلغه بالخبر ثم توجه له على الفور ليؤاذره فى محنته فهل يترك أخيه فى ذلك الموقف العصيب؟
كأنه مع موعد مع كشف الحقائق .
حالة من الهدوء الحذر تفرض ذاتها على رواق المشفى المؤدي الى غرفة العمليات   مرت ساعه ...ساعتان ...ثلاث ....اربع ساعات ولايوجد خبر لا أحد يطمئن قلوبهم الراجفة من الخوف .
أفيقوا من حالة الشرود على صوت غرفة العمليات ،رقية تخرج متصلة ببعض الأجهزة والممرضون يهمون بنقلها  .
هرول اليها محمد التهامى بتأمل هيئتها المزرية كأنه يحفظ ملامحها يخشى أن تكون تلك النهايه دموعه تسطر على معالم وجهه  لكنه تماسك حين سأل :
-واخدين مرتى على فين اكده 
قدرت احدى  الممرضات خوفه على زوجته  لذا أبلغته:
-واخدينها على العناية وآي  استفسار تانى تجدر تسأل الدكتورة
بعد فترة وجيزة  طلت جايدا عليهم بوجه متعب لكنها لم تخفى ابتساماتها تجمع الجميع حولها الا هو تخفى حتى لا تراه  ربتت على  كتف جدها  ،مازالت ابتساماتها تزين ثغرها ثم أردفت:
-العملية نجحت الحمدلله ماتقلقوش   روحوا ارتاحوا وانا هاباشرها بنفسي
ذهبت الى روهان نظر بعينيه ليرى اين ذهبت ليجدها تقف مع عشيقها التى ارتمت فى احصانه
سمعها تخبره قائلة :
-أخى اعزمنى على فنجان قهوة  من فضلك
مد يده اليها وأخذها الى كافتيريا المشفى حتى يتناولان قدحين من القهوة اما يحيى فقد تسمر فى مكانه من هول الصدمة حبيبته بريئة بل هو من ظلمها  هو المجرم وليست هي
ندم اعتراه وأي ندم يفيد .

فى قصر حمدان البندارى
تجلس سيدة فى أوائل الخمسينات متوسطة الجمال فى بهو القصر تنادى  بصوت غليظ  مرتفع :
-بت يانادية يا اللى تنشكى ها غيب طول النهار أنادى عليكى اكده 
تأتى على الفور  بينما تغطى أعلى ذراعيها بملابس مبلله رثه من كثرة ارتدائها كأنها ليست ابنة ذلك المنزل  قالت مسرعة :
-جيت اهو يامرت عمى تؤمرينى بشىء
اغتاظت من ردها فأجابت :-
-مش جللتك مليون مره ماتجوليش يامرت عمى جولى ياستى انتى هنا مش اكتر من خدامه انجري وضبي اوضة سيدك اياد
اختفت فى التو لتنفذ ما أمرت به لواحظ  لتتلافى عقابها .

فى منزل عائلة الصاوي  فى مدينة المنيا المكون من خمس طوابق  تقطن عطر الصاوي بمفردها بعد وفاة أسرتها  يدق ناقوس منزلها ترتدى مئزرها  فوق ملابسها البيتية وتغطى شعرها بحجاب الرأس

فتحت الباب لتتفاجىء بابن عمها جاسر يقتحم باب الشقه و يغلقه ويشرف عليها ببنيته الجسدية الضخمة ويخرج من فمه رائحة كريهة  لتناوله الخمر  ،حاول تكميم ثغرها والتعدى عليها قائلا :

-بجي انا ماترضيش تجوزيني إن ما خليتك تجيلي راكعه وساعتها هارفسك ولا أتجوزك 

استغلت عدم توازنه  والتقطت الزهرية الموجودة بجانبها لترفعها لتكسرها على مقدمة راسه

تفحصت ملابسها لم تعد تسترها فلقد قسمها الى قطع صغيره بيده
فى منزل عائلة الروينى
فى احدى شقق العائلة تنام فتاه فى منتصف العشرينات على ارضية المطبخ دون غطاء أسفلها او أعلاها يحميها من البرد القارص  بملابس رثه خفيفة تغطى وجهها بغطاء رأس   
ضربها رجل خمسينى فى أسفل ظهرها  
انتفضت تئن وجعا  لكنها لم تنطق بحرف انهال عليها بالضرب المبرح مع انطلاق لسانه بوابل من السباب عليها:
-بتوجعي يافاجره هو انتى لسه شوفتى وجع مش هاسيبك الا وانتى جثه
تركها بعد أن أنهكت قواه  .
هكذا تقضي روح أيامها لكنها صامدة تدعو ربها دائما بأن يرحمها وينصرها عاجلا أم آجلا .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي