الفصل الثاني
٢
اما على الطرف الأخر مشت معهم جايدا بخنوع دون تذمر او صياح مستسلمة للأمر كأن به خلاصها من روحها المعذبة المثقلة بالهموم التى لا قبل لها بتحملها تتمنى الموت لتلحق بفلذة كبدها الى الرفيق الاعلى الى حياه تخلو من الزيف لكن ليس كل ما يتمنه المرء يدركه.
بعد أن خطت أقدامها مبنى الشرطة بالمدينة حتى انقادت الى غرفة التحقيقات .
وجه لها تهمة التعدي بالضرب على المدعو جون بنيامين بإصابته إصابات يلزم علاجها اكثر من ٢١ يوم استفسر منها مسئول التحقيقات مستطردا :
-ما قولك فيم نسب اليكِ؟
بكل اريحيه ليست بها جزع من الموقف برمته قد قذف الله فى قلبها الطمأنينة مم تخاف؟
رب البشرية موجود أتجزع من شخص مثلها مثله لا يملك ضرها او نفعها كله بإرادة الله ،يقينها بأن الله مع المظلوم أينما كان ،ان الغمة ستنقشع مهما استحكمت فتفوهت بكل أريحية وثقه من موقفها بأنها ليست مخطئة قائلة :
أقر بذلك لكل فعل رد فعل لذا أقدم بلاغ ضده بمحاولة التحرش والاعتداء على جنسيا فى مقر عملي.
تفاجأت بضحكة محتقرة من المحقق أثناء دورانه حولها ثم همس لها بصوت مخيف قشعر منه جسدها خوفا اهتزت اطرافها كما شعرت بالبرودة تجتاح جسدها لكنها سيطرت على مخاوفها دون إثارة ذلك فى الاجواء بل نظرت له بثبات كأنها لم تنزل عليها كلماته كالصاعقة حين أخبرها بفحيح وكره من بين طيات صوته :
- تريدين منى ان أحرر لكِ هذا أيتها العربية الحقيرة ضد ...
سكت قليلا ثم تابع :
-بالطبع حمقاء ان صدقتي أنى سأعاونك فى أذيته ماذا كان سيحدث ان جاريتيه ؟
أشاعها بنظرات حاقدة لجنسها العربي وديانتها لكنها قابلتها بضحكه لم يفهم منها شيء .
بعد فترة من الصمت المخيف فى المكان ضغط على زر استدعاء أحد المعاونين بالشرطة وأمره بإلحافها الى السجن العمومي.
محاولات عديدة لمعرفة علة احتجازها ،مكان سجنها لكنها باءت بالفشل .
أجساد متعبة من قلة النوم كما أرواحهم من أيام ،عملهم الوحيد تقصى معلومات عن ابنتهم دون فائدة ،قلوب ملتاعة على ابنتهم اسئلة تساورهم ماذا ارتكبت لتداهم وتحتجز كل تلك المدة دون ادانة
بتعجبون مستنكرين المماطلة المفرطة من قبل الموظفون حين يتلمسون منها معلومات تريح أفئدتهم لكنها تقابل بلامبالاة والصمت المطبق دون حديث .
منذ أن زجت فى الحبس هي بعالم أخر لقد داهمتها الذكريات مخيلتها طيف من أحببته يومًا بكل جوارحها وعشقته حد الثمالة يكسر قلبها بمهانه لا تستحق غدره بها كسرة قلبها التى لاقتها على يده حتى الأن بالرغم من مرور ثلاث سنوات على فاجعتها الا انها لم تستوعب قط ماجناه بحقها حبيب عمرها من اختارته زوجا يشاركها حياتها القادمة يلقبها بتلك الصفات المشينة يسحقها ضربا يفرض نفسه عليها مغتصبا لروحها قبل جسدها بوابل من العبارات المسيئة لشخصها بعد ان تيقن من طهارتها الا انه لم يعترف به اتهمها بروحها الملوثة فعذريتها ليست دليلا كافيا له على براءتها فى ذلك الزمن وبأنثى نشأت فى بلاد الانحلال الأخلاقي مهما كانت أصولها ستظل فى نظر البعض أمريكية انه لشعور مؤسف حين تقذف بصفات ليست بك ومن مَن ؟!من زوجها ،سندها بعد أبيها وأخيها.
جال فى رأسها ما عانيته من ظلم كأنه واقع ملموس يحدث لها .
دموع تسطر وجهها بلاهوادة كأنها شلال لا ينضب .
فى نومها تنازع كأن بها حمى قد أصابتها تئن من القهر ليس من تبعات الحمى من درجة حرارة مرتفعة وارتعاش جسدها وتيبسه كخرقة بالية ،كوابيسها التى لا تتركها تنعم بنوم مستقر كأغلب البشر تحلم بانها تقتل بخنجر مسموم فى قلبها هذا كل ما تتذكره عن كوابيسها الى متى ستظل تكتم مكنونات قلبها من الوجع الذى ينهش من روحها بل من صحتها عامة سواء الجسدية او النفسية .
هل تنفصم النفس البشرية عن الجسد؟
بالطبع لا تنفصم فحالة الفرد المزاجية تنعكس عليه فى كل مجالات الحياة سواء الحياتية او العلمية .
رغم نجاحها العلمي و تفوقها المهني الا هاله من الحزن تطغى عليها ،تشيعها نظرات حرينه مكسورة أي سعادة تلك ؟!
القلب كسر من مالكه؟!
تقطب يحيى فى حديثه مع جايدا على هاتفها النقال فما كان منها الا أن تستفسر منه بكل براءة عمّ ألم به ؟فردوده جافة عليها .
علل ذلك بصوت مرتفع غليظ :
شكل تعبى مأثر أسف حبيبتي مضطر أقفل دلوقتى
أخبرها بذلك كاذا على أسنانه بغضب فتصطك فى بعضها من غضبه الذى وصل ذروته كأسد حبيس يزأر من الغضب .
لم ينتظر سماع ردها أغلق الهاتف على الفور قلقت عليه كثيرا من صوته الذى يبدو عليه الغضب فقررت الذهاب اليه والاطمئنان عليه بنفسها .
يا ليتها لم تذهب الى عرين الأسد يومها فما قتلت الا من مخالبة الغاضبة ؟
بعد فتره من الوقت كانت تقف أمام منزله تطرق الناقوس فانفتح الباب على مصرعيه ،حلق بها بدهشة لايعى وجودها أمامه فقد أعماه غضبه منها لدرجة انه لا يرى ما يفعله فقد انفلتت سيطرته على نفسه برؤيتها أمامه
جذبها من رسغها بقسوة الى الداخل ،أوصد الباب بعنف .
تحرك بها الى الداخل يجرها كشاة يسوقها الى المذبح لكنه يجرها كما يجر الاسد فريسته ،أطلقت أهة تدل على تألمها من معاملته الخشنة .
انتفضت من رده الغاضب لأبعد حد :
خلى الأه لبعدين انتى لسه شوفتى حاجه ان ما خليتك تندمي على اليوم اللى شوفتينى فيه مابقاش انا يحيى التهامي هأعوذ انا ايه من تربية أمريكا هاتكون غير منحطة سافله بس انا غلطان انتى تمامك اوى ليله وكتير عليكي بقى انتى تخدعيني بس ملحوقة .
تحول غضبه اليها فتتحول الى لبؤة مجروحة لتردف :
-ما اسملحكش يايحيى تعيب فيا ولا فى أهلى ولا فى تربيتي
انقض عليها كانقضاض حيوان مفترس على فريسته مكبلا يدها بيده اليمنى ويده الاخرى تشق ملابسها وتزيحها عنها بمذلة بعد أن حاصرها بجسده .
لم يشعر بما حدث ولا بصراخها وتوسلاتها بأن يتركها ،
تركها واقفا ينظر الى الفوضى ،وقعت مقلتيه على بقعة حمراء صغيره بعد أن انزوت على نفسها تبكى بقهر لكن بصوت مسموع ،صدم من رؤيته لذلك لكنه تدارك صدمته
هتف بعدها بوضاعة :
-اوعى تكوني فاكره انى كده تأكدت انك طاهره ماياما شمال ولسه بنات بنوت
عافرت حتى جمعت شتات نفسها وارتدت ملابسها الممزقة من انتهاكه لها حتى لو كانت زوجته لا يحق له تملكها اجبارا
توجهت الى الخارج بانكسار الا انه أوقفها بمزيد من كلماته القاسية :
طلاق مابطلقش عقابي لواحدة زيك خليكى لاطايلة سما ولا أرض اوعى تفتكري ان اهلك ها يقدروا يجبروني على شىء هانكر انى لمستك وساعتها ابقى شوفي مين هاينقذك من تحت ايديهم واثبتي انك طاهرة بحق وحقيقي .
خرجت بلا عودة نحو سيارتها حدقت بحقيبة سوداء صغيره كأنها وجدت كنزا ثمين أوقفت سيارتها بجانب أحد المراحيض العامة جذبت الحقيبة من الكرسي الخلفي ثم أوصدت سيارتها جيدا ثم توجهت نحو المرحاض بدلت ملابسها بأخرى قذفت تلك الملابس فى صندوق القمامة ثم عادت الى سيارتها ومنها الى بيت أهلها .
صعدت الى غرفتها دون أي كلام وانتبذت منها مكانا قصيا فتبدلت فى ليلة وضحاها من زهرة منعشة الى زهرة زابلة حزينة ترغب فى وأد نفسها .ما يمنعها من انهاء حياتها انها ستلقى ربها كافرة .
ألهت نفسها بعملها لعله يطفئ لهيب جرحها الغائر لكنه لم يجدى نفعا ، تجاهلت أسئلة أسرتها عن سفر يحيى المفاجئ الى مصر قللت من اجتماعها معهم نيران تكوى فى صدرها لتريد من وجعها من يفتخرون بها خذلتهم بل جلبت لهم العار.
بعد ما حدث لها بقرابة اربعين يوما غثيان يهاجمها صباحا غير تقلب معدتها انهاكها بسرعة ورغبتها الملحه فى النوم بل تأخر طمثها الشهري عن موعده على غير عادتها ،اصفر وجهها حين أدركت انها حاملا طفلا من يحيى قطعت الشك باليقين أجرت فحص الحمل بالدم من بسمة الممرضة وبشاشتها تيقنت أن مخاوفها أصبحت واقع
فى خضم توترها ومصيبتها الغائرة لم تفكر لحظه فى اجهاض طفلها بل قررت الهروب وتربية ابنها وحيده
بعد يومان فجرت جايدا رغبتها بالاستقرار فترة فى مصر فى البداية اعترض الجميع خاصة من تجاهلها لأسئلتهم عن يحيى بعدم الرد وعدم وجود أي وسيلة للتواصل به لمعرفة سبب خلافهم الظاهر للعيان
رضخوا بالنهاية لرغبتها ظنوا أن تلك الخطوة منها ستزيل خلافها المؤقت مع يحيى
استقرت فى الاسكندرية فى شقة سكنية فى منطقة سيدى بشر وعملت فى أحدى مشافيها الخاصة تعتنى بنفسها وبطفلها الكامن فى أحشائها كلما كبر كلما زاد تعبها لذا استعادت بإحدي المربيات لاعتناء بها فى تلك المرحلة الحرجة وبجنينها بعد ولادتها حين تذهب لعملها .
جاء الى الدنيا طفلها الصغير الشبيه بوالده برؤيته وقبوعه داخل أحضانها بين راحتها محت أحزانها الى سعادة تفوح رائحتها برائحة طفلها يحيى
شهران قضتهم فى كنف ابنها بفرحة عارمه الا ان صفعات القدر قد ابتلتها مرة أخرى به ،
انتفضت حين لاحظت زرقة شفاه وصفرة وجهه وعدم قدرته على التنفس أسعفته حتى وصلت عربة الاسعاف لنقله الى المشفى لا تدرى انه بعد قليل سيلفظ أنفاسه الأخيرة هناك دون حيله منها رغم قدراتها الفائقة الا انها ستفشل 《فباب النجار مخلع 》كما يقولون فى الأمثال استخدمت الصاعق الكهربي لانعاش قلبه لتعود حياتها اليها فموته موتها هي وليس هو فقط لكن لا فائدة من محاولاتها بعد ربع ساعة من تماسكها والتعامل بمهنية مع حالة ابنها ،خارت قواها لعدم استجابة طفلها للجهاز مصدرا ساعة الوفاة كتب عليها القدر ان تتألم وتبتعد عن محبيها إما بالغدر او الموت .
فرشت مفرش ابيض على جسد ابنها الصغير بالكامل بعد اغمضت جفونه ،نثرت عليه القبلات المحمومة ،دموعها تغطى وجهها بالكامل .
قهرها ،حسرتها على فراق نجلها فاقت الحدود روحها المحطمة الهشة لم تمنعها من انقاذ طفل أخر بل أسرة كاملة ،ادخال السرور الى قلوبهم بشفاء ابنهم وعودته من الموت حين أجرت له عملية دقيقه بالقلب رغم وضعه الحرج
قررت دفنه فى موطن والده بعد أن صلى عليه صلاة الجنازة فى احدى مساجد سيدى بشر لينقل الى مثواه الاخير بعربة الموتى دفنت طفلها وحيدة لا تجد من يؤازرها فى ظروفها القاسية لكنها تحملت بثبات تحسد عليه ،قوة صبر وتجلد تودع فلذة كبدها امام قبره الصغير بملابسها المتشحة بسواد فمن الضعف انبثقت القوة .
دمعاتها الماسية تذرف بلانهاية لها كأنها متجددة تنتحب حلما قتل فى مهده من كان سيحميها من غدر أبيه ،يعوضها عما لاقته من خيانة البشر ،قلة حيلتها لكن مصيرها مختلف فلم تملك الا ان تردد بشفاه زابلة تردد:
-
ان لله وانا اليه راجعون لله ما أعطى وما أخذ ولاحول ولا قوة الا بالله .
تتضرع الى خالقها ان يربط على قلبها ،يلهمها الصبر والسلوان وأن ينزل عليها سكينته .
بعد فتره من موت طفلها قررت العودة مرة أخرى الى اهلها فى فلوريدا لا فائدة لمكوثها هنا فحزنها لن ينضب مهما ابتعدت لكنها زورت شهادة طلاقها قبل سفرها لتبرر غيابها تلك المدة .
بعد أسبوعان من التوهة علموا لمَ زجت ابنتهم فى السجن تلك المدة ذهبوا لتفاوض مع جون لكنه لم يرضى الا بفرض شروطه برحيل جايدا عن البلاد خلال شهر على الأكثر وافق وجدى على مضض ليفرج على ابنته بعدها بساعات .بجسد منهك وروح مغيبة عن الحياة قابلتهم دون حديث كان اللقاء .
سقطت فاقدة للوعى فى صحبة والديها لتنقل الى المشفى تعانى من انهيار عصبي حاد حقنت بمهديء خلدت من أثره فى سبات عميق.
فى قرية ابوبشت بالمنيا بالتحديد فى منزل يحيى التهامى
دمعات يمنع نزولها من مقلتيه حين طافت فى مخيلته حبيبته الخائنة ،بدون تخطيط ولا مقدمات لعب القدر دوره فى كشف حقيقتها المغايرة من البراءة الى الخسة فكيف تغير ذلك بلمح البصر أيعقل ان كل ذلك كذبا لاصطيادي ورمى الشباك حولي ،انا كالأبله تحكمت عواطفي لانقاد خلفها مقيدا نفسى بها لتقترن اسمها باسمي فى ميثاق غليظ أيا ترى قد حفظت عليه ام لوثته فى الوحل ،نهر تفكيره الذى أوصله لذلك لأنه متيقن انها تنتقل من شاب لأخر بكل أريحية لكنه لن يمهلها لفرصه الارتباط بغيره سيجعلها هكذا لا متزوجة ولا مطلقه بل معلقة
سيدفعها ثمن خطئها بحقه ولن يغفر لها او يعفو عنها بتحريرها من قيده ستظل امرأته حتى لو بالاسم .
أغمض جفنيه من أثر التعب لكن قلبه يئن شوقا للقاء مالكته .
بعد ان انتهى المأذون من عقد قران يحيى على جايدا فى مكتب السفارة المصرية هناك وأمم جميع الحضور ورائه فى سعادة طاغيه :
بارك الله لهما وجمع بينهما فى خير
تحرك نحوها فى فرحة عارمه تختلج أوصاله ليجذبها برفق داخل أحضانه يشعر كأنه طائر يغر فى السماء فماذا يريد أكثر من ذلك ؟حبيبته التى تلمست شغاف قلبه من النظرة الأولى بل واجتاحته فصارت ملكة على عرش قلبه يختبر أحاسيس العشق معاها لأول مره ولكم راقته تلك المشاعر!
كللت رسميا بامرأته منذ لحظات
شدها فى أحضانه أكثر والخجل يعتريها فتتورد وجنتيها بلون حمرة قد زادتها جمالا لكنها لم تعقب .
استسلمت لأحضانه بنفس راضية تحيا مشاعر لم تجربها بعد جسدها ينتفض من نشوة فرحتها .
تقبل ارتعاشها فى أحضانه بتفهم وارتياح بأنه رجلها الاول هتف بمكر تسمعه أذانها منه لأول مره :
-اهدى ده مكانك لازم تتعودى اومال لما ندخل فى ...
لم يكمل حديثه الوقح معها لكنه باعتها بانها رفعها بخصرها قليلا بكفى يده يدور بها عدة لفات دائريه وهو مازال يحتفظ بها داخل أحضانه .
ألقى عليها ما تفاجأت به حقا حين سرد بصوت أجش من العاطفة :
-بحبك ياحب عمرى
-بعشقك يازوجتى
تشبثت بجسدها به أكثر تمرمغ وجهها على منكبيه من الخجل وانتشاء أوردتها من السعادة تظن انه خيال وليس واقع .
هتفت بلا وعي منها :
أحبك يا من ملكت قلبي بهواك
أبعدها عن أحضانه قليلا ثم قبلها من وجنتيها وجبينها ثم مال على أذنها يطربها بصوت أجش :
-مبروك أخيرا بقيتي ملكى
أوقفها بجانبه وأصابع يده اليسرى تتخلل أصابع يدها اليمنى استقبل تهاني الجميع بحبور
استأذن من والدها حتى يصطحبها الى نزهة قصيره وافق وجدى على طلبه بود قد صاحبه بمشاكسه:
-ماشي ياسيدى هاعديها المرة ديت بس بعد كده انسى ان ده يحصل مادام لسه فى بيتي اوعاك تكون فاكر انك مادام كتبت بقت مرتك انسى مش قبل الدخلة الدخول بمواعيد والخروج بمواعيد.
خرج بها نحو أحد اليخوت بعد ان سمح له وجدى بذلك لكنه حدد له موعد للعودة يحب ان يسلم له ابنته قبل منتصف الليل .
انبهرت بزينته كثيرا تفاجأت به يحتضنها بتملك .
خلع حجابها عنها دهش من رؤية شعرها الاشقر الطويل الناعم ملمسه كصاحبته .
خلل بكف يده الرجولية الخشنة فروته .
أمسك احدى خصلاتها مداعبا وجهه بها ورائحة الياسمين تفوح منه يشتمها بأنفه دون ملل فتسكره كمخدر سرى فى دمه
انتفض من نومته يلوم أحلامه على ذلك يفكرها بخيانتها له فقد راها بعينه دون تخطيط .
تحتضن أخر بحبور يطل من مقلتيها تحدثه بلهفه حين هاتفها أبلغته انها مازالت بعملها وانها ستهاتفه ما ان تنتهى .
خدعته ببرائتها بما ضرها لتقتل رجولته ؟!
اعتصر يده من ألم قلبه العليل الذى ينهشه دون توقف حتى ابيضت سلاميته . غيرته التى أشعلتها بقبوعها داخل أحضان أخر .
بقولها سربت الشك اليه وبحور من الدم تتقافز من مقلتيه لكنه التزم الهدوء عائدا الى شقته بقلب قد حطمته الخيانة .
وجيب قلبه لا يهدأ يطالبه بالعودة الى أحضانها لكنه مازال متمسك برجاحة عقله بأنه لا مكان للخائن بحياته هكذا أصرف ذهنه عن تفكيره المؤقت بها .
استقبل وجدى اتصال من أخيه عمر على برنامج التواصل الاجتماعى فيسبوك تحدث معه بشجن متكالب من الهموم من الوهلة الاولى شعر عمر بأن أخية يحمل عبئا ثقيلا على أكتافه أراح ان يزيح عنه قليلا حتى لو بالفضفضة حثه على ذلك حين قال :
-صوتك مكدر ليه ياخوى اوعك تكون مرضان او مزعبب من شىء جولي احنا اخوات بردك
قص عليه ما حدث لابنته بالتفصيل ؛هتف -عمر-بإصرار معاونا لأخية فى محنته :
بتك تحجزلها وتنزلها فى أجرب وجت وانت خلص شغلك براحتك وتعالى استقر اهنه فى بلدك بكفاية غربة واستسمح بوك علشان يرضى عليك وماتجلجش على بتك فى عين بوك جبل عينى انا هاجول لأبوك اللى حوصل وهاخليه يحدتك بنفسيه جايدا عرضنا مش عرضك لوحدك
تنفس بارتياح بعد انتهاء محادثته بعد ان انكشفت غمته على يد أخيه مطمئنا بأن ابنته أصبحت فى يد أمينة .
حين دقت الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت مدينة فلوريدا فى الولايات المتحدة الامريكية استيقظت جايدا من غفوتها المؤقتة ببطء وصداع يؤلم جبهتها .
أزاحت الغطاء من على جسدها ، أفردت ذراعيها بطول يدها تمطها بتكاسل ثم أنزلت قدميها على أرضية الغرفة ،لبست خفها المنزلي متحركة نحو المرحاض .
بعد فترة وجيزة من الزمن لا تتعدى ستون دقيقه هبطت الى الاسفل جلست بجانب أسرتها فى غرفة المعيشة بدون مقدمات منها :
- ماتقلقوش مشكلتي وانا كفيلة بحلها ماتوقفوش حياتكم علشانى
صمتت برهة من الزمن سخرت بها من نفسها :
-شوفوا حاجه تستاهل توقفوا عليها حياتكم مش اللى حطت راسكم فى الارض
أكملت حديثها بعد فتره بسيطه من التوقف بنبرة جاده بعد أن ارتسمت حالة الغضب على وجوه الجميع :
انا هاستقر فى لندن جيلي عقد ممتاز هناك من فتره وانا كنت ماجله الرد هارد عليهم بالموافقة .
تحدث وجدى ببرود منافى للموقف مقررا :
-مفيش سفر للندن شطبنا بكفايانا غربه وده قرار نهائي جهزى حالك يومين وهاتنزلى مصر وهاتروحى تقعدي عند جدك لغيت ما ننزل .
احتجت جايدا على ما قيل لكنه لم يمهلها فرصة مناقشته رحل متجها للخارج دون أي حديث أخر .
فى منزل واصف العربي مساءا
قص عمر على أبيه ما سرده له اخيه على الهاتف ، انتفض واصف من مجلسه واقفا من هول صدمته يخشى على حفيدته التى لم يراها قط بسبب عناده وكبرياؤه لتكن هي حصيلة المكابرة وما تعقبها من أحدات
استرسل دون مقدمات أمرا ابنه عمر :
-اتصل بخيك دلوك واديني احدته
حاول عمر اثناءوه عن ذلك الان لتأخر الوقت الا انه صمم على ذلك فخضع لإرادة والده مضطرا .
أجاب وجدى على اتصال اخيه عمر من الوهلة الاولى ، تصاعدت انفاسه كالطبول حين سمع همس ابيه يصل اليه عبر سماعات الهاتف مخبرا اياه بلهجة لا تقبل النقاش او الجدال :
-بكفاياك غربة يا ضاكتور ماواحشكش حضن بوك ، ارجع فى اجرب وقت نفسى املى عينى منك جبل ما اجابل وجه كريم
اشتاق لصوت ابيه وهمساته حد الجنون ارتفعت شهقاته كطفل صغير باكي زفر أنفاسه بصوت أجش من العاطفة المسيطرة عليه ،تكلم بسعادة تطغى على صوته من رضا والده عليه اخيرا :
-حاضر يا حاج هابعت بتي وها حصلها مع امها واخوها فى الجريب العاجل
انتهى الاتصال بنشوة من السعادة العارمة فقد تصالح الاب مع ابنه بعد سنوات طويلة من الخصام .
اما على الطرف الأخر مشت معهم جايدا بخنوع دون تذمر او صياح مستسلمة للأمر كأن به خلاصها من روحها المعذبة المثقلة بالهموم التى لا قبل لها بتحملها تتمنى الموت لتلحق بفلذة كبدها الى الرفيق الاعلى الى حياه تخلو من الزيف لكن ليس كل ما يتمنه المرء يدركه.
بعد أن خطت أقدامها مبنى الشرطة بالمدينة حتى انقادت الى غرفة التحقيقات .
وجه لها تهمة التعدي بالضرب على المدعو جون بنيامين بإصابته إصابات يلزم علاجها اكثر من ٢١ يوم استفسر منها مسئول التحقيقات مستطردا :
-ما قولك فيم نسب اليكِ؟
بكل اريحيه ليست بها جزع من الموقف برمته قد قذف الله فى قلبها الطمأنينة مم تخاف؟
رب البشرية موجود أتجزع من شخص مثلها مثله لا يملك ضرها او نفعها كله بإرادة الله ،يقينها بأن الله مع المظلوم أينما كان ،ان الغمة ستنقشع مهما استحكمت فتفوهت بكل أريحية وثقه من موقفها بأنها ليست مخطئة قائلة :
أقر بذلك لكل فعل رد فعل لذا أقدم بلاغ ضده بمحاولة التحرش والاعتداء على جنسيا فى مقر عملي.
تفاجأت بضحكة محتقرة من المحقق أثناء دورانه حولها ثم همس لها بصوت مخيف قشعر منه جسدها خوفا اهتزت اطرافها كما شعرت بالبرودة تجتاح جسدها لكنها سيطرت على مخاوفها دون إثارة ذلك فى الاجواء بل نظرت له بثبات كأنها لم تنزل عليها كلماته كالصاعقة حين أخبرها بفحيح وكره من بين طيات صوته :
- تريدين منى ان أحرر لكِ هذا أيتها العربية الحقيرة ضد ...
سكت قليلا ثم تابع :
-بالطبع حمقاء ان صدقتي أنى سأعاونك فى أذيته ماذا كان سيحدث ان جاريتيه ؟
أشاعها بنظرات حاقدة لجنسها العربي وديانتها لكنها قابلتها بضحكه لم يفهم منها شيء .
بعد فترة من الصمت المخيف فى المكان ضغط على زر استدعاء أحد المعاونين بالشرطة وأمره بإلحافها الى السجن العمومي.
محاولات عديدة لمعرفة علة احتجازها ،مكان سجنها لكنها باءت بالفشل .
أجساد متعبة من قلة النوم كما أرواحهم من أيام ،عملهم الوحيد تقصى معلومات عن ابنتهم دون فائدة ،قلوب ملتاعة على ابنتهم اسئلة تساورهم ماذا ارتكبت لتداهم وتحتجز كل تلك المدة دون ادانة
بتعجبون مستنكرين المماطلة المفرطة من قبل الموظفون حين يتلمسون منها معلومات تريح أفئدتهم لكنها تقابل بلامبالاة والصمت المطبق دون حديث .
منذ أن زجت فى الحبس هي بعالم أخر لقد داهمتها الذكريات مخيلتها طيف من أحببته يومًا بكل جوارحها وعشقته حد الثمالة يكسر قلبها بمهانه لا تستحق غدره بها كسرة قلبها التى لاقتها على يده حتى الأن بالرغم من مرور ثلاث سنوات على فاجعتها الا انها لم تستوعب قط ماجناه بحقها حبيب عمرها من اختارته زوجا يشاركها حياتها القادمة يلقبها بتلك الصفات المشينة يسحقها ضربا يفرض نفسه عليها مغتصبا لروحها قبل جسدها بوابل من العبارات المسيئة لشخصها بعد ان تيقن من طهارتها الا انه لم يعترف به اتهمها بروحها الملوثة فعذريتها ليست دليلا كافيا له على براءتها فى ذلك الزمن وبأنثى نشأت فى بلاد الانحلال الأخلاقي مهما كانت أصولها ستظل فى نظر البعض أمريكية انه لشعور مؤسف حين تقذف بصفات ليست بك ومن مَن ؟!من زوجها ،سندها بعد أبيها وأخيها.
جال فى رأسها ما عانيته من ظلم كأنه واقع ملموس يحدث لها .
دموع تسطر وجهها بلاهوادة كأنها شلال لا ينضب .
فى نومها تنازع كأن بها حمى قد أصابتها تئن من القهر ليس من تبعات الحمى من درجة حرارة مرتفعة وارتعاش جسدها وتيبسه كخرقة بالية ،كوابيسها التى لا تتركها تنعم بنوم مستقر كأغلب البشر تحلم بانها تقتل بخنجر مسموم فى قلبها هذا كل ما تتذكره عن كوابيسها الى متى ستظل تكتم مكنونات قلبها من الوجع الذى ينهش من روحها بل من صحتها عامة سواء الجسدية او النفسية .
هل تنفصم النفس البشرية عن الجسد؟
بالطبع لا تنفصم فحالة الفرد المزاجية تنعكس عليه فى كل مجالات الحياة سواء الحياتية او العلمية .
رغم نجاحها العلمي و تفوقها المهني الا هاله من الحزن تطغى عليها ،تشيعها نظرات حرينه مكسورة أي سعادة تلك ؟!
القلب كسر من مالكه؟!
تقطب يحيى فى حديثه مع جايدا على هاتفها النقال فما كان منها الا أن تستفسر منه بكل براءة عمّ ألم به ؟فردوده جافة عليها .
علل ذلك بصوت مرتفع غليظ :
شكل تعبى مأثر أسف حبيبتي مضطر أقفل دلوقتى
أخبرها بذلك كاذا على أسنانه بغضب فتصطك فى بعضها من غضبه الذى وصل ذروته كأسد حبيس يزأر من الغضب .
لم ينتظر سماع ردها أغلق الهاتف على الفور قلقت عليه كثيرا من صوته الذى يبدو عليه الغضب فقررت الذهاب اليه والاطمئنان عليه بنفسها .
يا ليتها لم تذهب الى عرين الأسد يومها فما قتلت الا من مخالبة الغاضبة ؟
بعد فتره من الوقت كانت تقف أمام منزله تطرق الناقوس فانفتح الباب على مصرعيه ،حلق بها بدهشة لايعى وجودها أمامه فقد أعماه غضبه منها لدرجة انه لا يرى ما يفعله فقد انفلتت سيطرته على نفسه برؤيتها أمامه
جذبها من رسغها بقسوة الى الداخل ،أوصد الباب بعنف .
تحرك بها الى الداخل يجرها كشاة يسوقها الى المذبح لكنه يجرها كما يجر الاسد فريسته ،أطلقت أهة تدل على تألمها من معاملته الخشنة .
انتفضت من رده الغاضب لأبعد حد :
خلى الأه لبعدين انتى لسه شوفتى حاجه ان ما خليتك تندمي على اليوم اللى شوفتينى فيه مابقاش انا يحيى التهامي هأعوذ انا ايه من تربية أمريكا هاتكون غير منحطة سافله بس انا غلطان انتى تمامك اوى ليله وكتير عليكي بقى انتى تخدعيني بس ملحوقة .
تحول غضبه اليها فتتحول الى لبؤة مجروحة لتردف :
-ما اسملحكش يايحيى تعيب فيا ولا فى أهلى ولا فى تربيتي
انقض عليها كانقضاض حيوان مفترس على فريسته مكبلا يدها بيده اليمنى ويده الاخرى تشق ملابسها وتزيحها عنها بمذلة بعد أن حاصرها بجسده .
لم يشعر بما حدث ولا بصراخها وتوسلاتها بأن يتركها ،
تركها واقفا ينظر الى الفوضى ،وقعت مقلتيه على بقعة حمراء صغيره بعد أن انزوت على نفسها تبكى بقهر لكن بصوت مسموع ،صدم من رؤيته لذلك لكنه تدارك صدمته
هتف بعدها بوضاعة :
-اوعى تكوني فاكره انى كده تأكدت انك طاهره ماياما شمال ولسه بنات بنوت
عافرت حتى جمعت شتات نفسها وارتدت ملابسها الممزقة من انتهاكه لها حتى لو كانت زوجته لا يحق له تملكها اجبارا
توجهت الى الخارج بانكسار الا انه أوقفها بمزيد من كلماته القاسية :
طلاق مابطلقش عقابي لواحدة زيك خليكى لاطايلة سما ولا أرض اوعى تفتكري ان اهلك ها يقدروا يجبروني على شىء هانكر انى لمستك وساعتها ابقى شوفي مين هاينقذك من تحت ايديهم واثبتي انك طاهرة بحق وحقيقي .
خرجت بلا عودة نحو سيارتها حدقت بحقيبة سوداء صغيره كأنها وجدت كنزا ثمين أوقفت سيارتها بجانب أحد المراحيض العامة جذبت الحقيبة من الكرسي الخلفي ثم أوصدت سيارتها جيدا ثم توجهت نحو المرحاض بدلت ملابسها بأخرى قذفت تلك الملابس فى صندوق القمامة ثم عادت الى سيارتها ومنها الى بيت أهلها .
صعدت الى غرفتها دون أي كلام وانتبذت منها مكانا قصيا فتبدلت فى ليلة وضحاها من زهرة منعشة الى زهرة زابلة حزينة ترغب فى وأد نفسها .ما يمنعها من انهاء حياتها انها ستلقى ربها كافرة .
ألهت نفسها بعملها لعله يطفئ لهيب جرحها الغائر لكنه لم يجدى نفعا ، تجاهلت أسئلة أسرتها عن سفر يحيى المفاجئ الى مصر قللت من اجتماعها معهم نيران تكوى فى صدرها لتريد من وجعها من يفتخرون بها خذلتهم بل جلبت لهم العار.
بعد ما حدث لها بقرابة اربعين يوما غثيان يهاجمها صباحا غير تقلب معدتها انهاكها بسرعة ورغبتها الملحه فى النوم بل تأخر طمثها الشهري عن موعده على غير عادتها ،اصفر وجهها حين أدركت انها حاملا طفلا من يحيى قطعت الشك باليقين أجرت فحص الحمل بالدم من بسمة الممرضة وبشاشتها تيقنت أن مخاوفها أصبحت واقع
فى خضم توترها ومصيبتها الغائرة لم تفكر لحظه فى اجهاض طفلها بل قررت الهروب وتربية ابنها وحيده
بعد يومان فجرت جايدا رغبتها بالاستقرار فترة فى مصر فى البداية اعترض الجميع خاصة من تجاهلها لأسئلتهم عن يحيى بعدم الرد وعدم وجود أي وسيلة للتواصل به لمعرفة سبب خلافهم الظاهر للعيان
رضخوا بالنهاية لرغبتها ظنوا أن تلك الخطوة منها ستزيل خلافها المؤقت مع يحيى
استقرت فى الاسكندرية فى شقة سكنية فى منطقة سيدى بشر وعملت فى أحدى مشافيها الخاصة تعتنى بنفسها وبطفلها الكامن فى أحشائها كلما كبر كلما زاد تعبها لذا استعادت بإحدي المربيات لاعتناء بها فى تلك المرحلة الحرجة وبجنينها بعد ولادتها حين تذهب لعملها .
جاء الى الدنيا طفلها الصغير الشبيه بوالده برؤيته وقبوعه داخل أحضانها بين راحتها محت أحزانها الى سعادة تفوح رائحتها برائحة طفلها يحيى
شهران قضتهم فى كنف ابنها بفرحة عارمه الا ان صفعات القدر قد ابتلتها مرة أخرى به ،
انتفضت حين لاحظت زرقة شفاه وصفرة وجهه وعدم قدرته على التنفس أسعفته حتى وصلت عربة الاسعاف لنقله الى المشفى لا تدرى انه بعد قليل سيلفظ أنفاسه الأخيرة هناك دون حيله منها رغم قدراتها الفائقة الا انها ستفشل 《فباب النجار مخلع 》كما يقولون فى الأمثال استخدمت الصاعق الكهربي لانعاش قلبه لتعود حياتها اليها فموته موتها هي وليس هو فقط لكن لا فائدة من محاولاتها بعد ربع ساعة من تماسكها والتعامل بمهنية مع حالة ابنها ،خارت قواها لعدم استجابة طفلها للجهاز مصدرا ساعة الوفاة كتب عليها القدر ان تتألم وتبتعد عن محبيها إما بالغدر او الموت .
فرشت مفرش ابيض على جسد ابنها الصغير بالكامل بعد اغمضت جفونه ،نثرت عليه القبلات المحمومة ،دموعها تغطى وجهها بالكامل .
قهرها ،حسرتها على فراق نجلها فاقت الحدود روحها المحطمة الهشة لم تمنعها من انقاذ طفل أخر بل أسرة كاملة ،ادخال السرور الى قلوبهم بشفاء ابنهم وعودته من الموت حين أجرت له عملية دقيقه بالقلب رغم وضعه الحرج
قررت دفنه فى موطن والده بعد أن صلى عليه صلاة الجنازة فى احدى مساجد سيدى بشر لينقل الى مثواه الاخير بعربة الموتى دفنت طفلها وحيدة لا تجد من يؤازرها فى ظروفها القاسية لكنها تحملت بثبات تحسد عليه ،قوة صبر وتجلد تودع فلذة كبدها امام قبره الصغير بملابسها المتشحة بسواد فمن الضعف انبثقت القوة .
دمعاتها الماسية تذرف بلانهاية لها كأنها متجددة تنتحب حلما قتل فى مهده من كان سيحميها من غدر أبيه ،يعوضها عما لاقته من خيانة البشر ،قلة حيلتها لكن مصيرها مختلف فلم تملك الا ان تردد بشفاه زابلة تردد:
-
ان لله وانا اليه راجعون لله ما أعطى وما أخذ ولاحول ولا قوة الا بالله .
تتضرع الى خالقها ان يربط على قلبها ،يلهمها الصبر والسلوان وأن ينزل عليها سكينته .
بعد فتره من موت طفلها قررت العودة مرة أخرى الى اهلها فى فلوريدا لا فائدة لمكوثها هنا فحزنها لن ينضب مهما ابتعدت لكنها زورت شهادة طلاقها قبل سفرها لتبرر غيابها تلك المدة .
بعد أسبوعان من التوهة علموا لمَ زجت ابنتهم فى السجن تلك المدة ذهبوا لتفاوض مع جون لكنه لم يرضى الا بفرض شروطه برحيل جايدا عن البلاد خلال شهر على الأكثر وافق وجدى على مضض ليفرج على ابنته بعدها بساعات .بجسد منهك وروح مغيبة عن الحياة قابلتهم دون حديث كان اللقاء .
سقطت فاقدة للوعى فى صحبة والديها لتنقل الى المشفى تعانى من انهيار عصبي حاد حقنت بمهديء خلدت من أثره فى سبات عميق.
فى قرية ابوبشت بالمنيا بالتحديد فى منزل يحيى التهامى
دمعات يمنع نزولها من مقلتيه حين طافت فى مخيلته حبيبته الخائنة ،بدون تخطيط ولا مقدمات لعب القدر دوره فى كشف حقيقتها المغايرة من البراءة الى الخسة فكيف تغير ذلك بلمح البصر أيعقل ان كل ذلك كذبا لاصطيادي ورمى الشباك حولي ،انا كالأبله تحكمت عواطفي لانقاد خلفها مقيدا نفسى بها لتقترن اسمها باسمي فى ميثاق غليظ أيا ترى قد حفظت عليه ام لوثته فى الوحل ،نهر تفكيره الذى أوصله لذلك لأنه متيقن انها تنتقل من شاب لأخر بكل أريحية لكنه لن يمهلها لفرصه الارتباط بغيره سيجعلها هكذا لا متزوجة ولا مطلقه بل معلقة
سيدفعها ثمن خطئها بحقه ولن يغفر لها او يعفو عنها بتحريرها من قيده ستظل امرأته حتى لو بالاسم .
أغمض جفنيه من أثر التعب لكن قلبه يئن شوقا للقاء مالكته .
بعد ان انتهى المأذون من عقد قران يحيى على جايدا فى مكتب السفارة المصرية هناك وأمم جميع الحضور ورائه فى سعادة طاغيه :
بارك الله لهما وجمع بينهما فى خير
تحرك نحوها فى فرحة عارمه تختلج أوصاله ليجذبها برفق داخل أحضانه يشعر كأنه طائر يغر فى السماء فماذا يريد أكثر من ذلك ؟حبيبته التى تلمست شغاف قلبه من النظرة الأولى بل واجتاحته فصارت ملكة على عرش قلبه يختبر أحاسيس العشق معاها لأول مره ولكم راقته تلك المشاعر!
كللت رسميا بامرأته منذ لحظات
شدها فى أحضانه أكثر والخجل يعتريها فتتورد وجنتيها بلون حمرة قد زادتها جمالا لكنها لم تعقب .
استسلمت لأحضانه بنفس راضية تحيا مشاعر لم تجربها بعد جسدها ينتفض من نشوة فرحتها .
تقبل ارتعاشها فى أحضانه بتفهم وارتياح بأنه رجلها الاول هتف بمكر تسمعه أذانها منه لأول مره :
-اهدى ده مكانك لازم تتعودى اومال لما ندخل فى ...
لم يكمل حديثه الوقح معها لكنه باعتها بانها رفعها بخصرها قليلا بكفى يده يدور بها عدة لفات دائريه وهو مازال يحتفظ بها داخل أحضانه .
ألقى عليها ما تفاجأت به حقا حين سرد بصوت أجش من العاطفة :
-بحبك ياحب عمرى
-بعشقك يازوجتى
تشبثت بجسدها به أكثر تمرمغ وجهها على منكبيه من الخجل وانتشاء أوردتها من السعادة تظن انه خيال وليس واقع .
هتفت بلا وعي منها :
أحبك يا من ملكت قلبي بهواك
أبعدها عن أحضانه قليلا ثم قبلها من وجنتيها وجبينها ثم مال على أذنها يطربها بصوت أجش :
-مبروك أخيرا بقيتي ملكى
أوقفها بجانبه وأصابع يده اليسرى تتخلل أصابع يدها اليمنى استقبل تهاني الجميع بحبور
استأذن من والدها حتى يصطحبها الى نزهة قصيره وافق وجدى على طلبه بود قد صاحبه بمشاكسه:
-ماشي ياسيدى هاعديها المرة ديت بس بعد كده انسى ان ده يحصل مادام لسه فى بيتي اوعاك تكون فاكر انك مادام كتبت بقت مرتك انسى مش قبل الدخلة الدخول بمواعيد والخروج بمواعيد.
خرج بها نحو أحد اليخوت بعد ان سمح له وجدى بذلك لكنه حدد له موعد للعودة يحب ان يسلم له ابنته قبل منتصف الليل .
انبهرت بزينته كثيرا تفاجأت به يحتضنها بتملك .
خلع حجابها عنها دهش من رؤية شعرها الاشقر الطويل الناعم ملمسه كصاحبته .
خلل بكف يده الرجولية الخشنة فروته .
أمسك احدى خصلاتها مداعبا وجهه بها ورائحة الياسمين تفوح منه يشتمها بأنفه دون ملل فتسكره كمخدر سرى فى دمه
انتفض من نومته يلوم أحلامه على ذلك يفكرها بخيانتها له فقد راها بعينه دون تخطيط .
تحتضن أخر بحبور يطل من مقلتيها تحدثه بلهفه حين هاتفها أبلغته انها مازالت بعملها وانها ستهاتفه ما ان تنتهى .
خدعته ببرائتها بما ضرها لتقتل رجولته ؟!
اعتصر يده من ألم قلبه العليل الذى ينهشه دون توقف حتى ابيضت سلاميته . غيرته التى أشعلتها بقبوعها داخل أحضان أخر .
بقولها سربت الشك اليه وبحور من الدم تتقافز من مقلتيه لكنه التزم الهدوء عائدا الى شقته بقلب قد حطمته الخيانة .
وجيب قلبه لا يهدأ يطالبه بالعودة الى أحضانها لكنه مازال متمسك برجاحة عقله بأنه لا مكان للخائن بحياته هكذا أصرف ذهنه عن تفكيره المؤقت بها .
استقبل وجدى اتصال من أخيه عمر على برنامج التواصل الاجتماعى فيسبوك تحدث معه بشجن متكالب من الهموم من الوهلة الاولى شعر عمر بأن أخية يحمل عبئا ثقيلا على أكتافه أراح ان يزيح عنه قليلا حتى لو بالفضفضة حثه على ذلك حين قال :
-صوتك مكدر ليه ياخوى اوعك تكون مرضان او مزعبب من شىء جولي احنا اخوات بردك
قص عليه ما حدث لابنته بالتفصيل ؛هتف -عمر-بإصرار معاونا لأخية فى محنته :
بتك تحجزلها وتنزلها فى أجرب وجت وانت خلص شغلك براحتك وتعالى استقر اهنه فى بلدك بكفاية غربة واستسمح بوك علشان يرضى عليك وماتجلجش على بتك فى عين بوك جبل عينى انا هاجول لأبوك اللى حوصل وهاخليه يحدتك بنفسيه جايدا عرضنا مش عرضك لوحدك
تنفس بارتياح بعد انتهاء محادثته بعد ان انكشفت غمته على يد أخيه مطمئنا بأن ابنته أصبحت فى يد أمينة .
حين دقت الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت مدينة فلوريدا فى الولايات المتحدة الامريكية استيقظت جايدا من غفوتها المؤقتة ببطء وصداع يؤلم جبهتها .
أزاحت الغطاء من على جسدها ، أفردت ذراعيها بطول يدها تمطها بتكاسل ثم أنزلت قدميها على أرضية الغرفة ،لبست خفها المنزلي متحركة نحو المرحاض .
بعد فترة وجيزة من الزمن لا تتعدى ستون دقيقه هبطت الى الاسفل جلست بجانب أسرتها فى غرفة المعيشة بدون مقدمات منها :
- ماتقلقوش مشكلتي وانا كفيلة بحلها ماتوقفوش حياتكم علشانى
صمتت برهة من الزمن سخرت بها من نفسها :
-شوفوا حاجه تستاهل توقفوا عليها حياتكم مش اللى حطت راسكم فى الارض
أكملت حديثها بعد فتره بسيطه من التوقف بنبرة جاده بعد أن ارتسمت حالة الغضب على وجوه الجميع :
انا هاستقر فى لندن جيلي عقد ممتاز هناك من فتره وانا كنت ماجله الرد هارد عليهم بالموافقة .
تحدث وجدى ببرود منافى للموقف مقررا :
-مفيش سفر للندن شطبنا بكفايانا غربه وده قرار نهائي جهزى حالك يومين وهاتنزلى مصر وهاتروحى تقعدي عند جدك لغيت ما ننزل .
احتجت جايدا على ما قيل لكنه لم يمهلها فرصة مناقشته رحل متجها للخارج دون أي حديث أخر .
فى منزل واصف العربي مساءا
قص عمر على أبيه ما سرده له اخيه على الهاتف ، انتفض واصف من مجلسه واقفا من هول صدمته يخشى على حفيدته التى لم يراها قط بسبب عناده وكبرياؤه لتكن هي حصيلة المكابرة وما تعقبها من أحدات
استرسل دون مقدمات أمرا ابنه عمر :
-اتصل بخيك دلوك واديني احدته
حاول عمر اثناءوه عن ذلك الان لتأخر الوقت الا انه صمم على ذلك فخضع لإرادة والده مضطرا .
أجاب وجدى على اتصال اخيه عمر من الوهلة الاولى ، تصاعدت انفاسه كالطبول حين سمع همس ابيه يصل اليه عبر سماعات الهاتف مخبرا اياه بلهجة لا تقبل النقاش او الجدال :
-بكفاياك غربة يا ضاكتور ماواحشكش حضن بوك ، ارجع فى اجرب وقت نفسى املى عينى منك جبل ما اجابل وجه كريم
اشتاق لصوت ابيه وهمساته حد الجنون ارتفعت شهقاته كطفل صغير باكي زفر أنفاسه بصوت أجش من العاطفة المسيطرة عليه ،تكلم بسعادة تطغى على صوته من رضا والده عليه اخيرا :
-حاضر يا حاج هابعت بتي وها حصلها مع امها واخوها فى الجريب العاجل
انتهى الاتصال بنشوة من السعادة العارمة فقد تصالح الاب مع ابنه بعد سنوات طويلة من الخصام .