الفصل الخامس

"قمر"
كان عقلي مشوشًا كثيرًا من كلام رائد، كنت بدأت أن ألين له،
كان يوجد بداخلي شيئًا يقول لي: إنه صادق، صدقيه واذهبي معه.
حتى دخول ريم التي لم أفهم كيف ومتى جاءت، والذي شوش عقلي أكثر أيضًا!
نقلت نظري بينهما للحظات ثم بادرت ريم بالكلام واندفعت إلى رائد وكأنها ستهاجمه:
-ابتعد عن صديقتي، إنني أحذرك وإلا...

اقترب رائد خطوة من ريم وقال بتحدٍ:
-وإلا؟

ثم اقتربت ريم من أذن رائد وسمعت همسها تقول:
-أسلمك للشرطة بحركة صغيرة.

قاطعتهم وسالت فجأة:
-شرطة؟ أي شرطة!

التفتوا لي ولم يعلق أحد ثم قال رائد:
- ستتذكر قمر، وسيعرف الجميع من أنتِ، ووقتها سنرى من سيسلم من للشرطة!

نظرت ريم لي، والتفت لي بجسدها وقالت بسرعة:
-إنه يهذي يا قمر، صدقيني يستغلك كما في السابق.

التفت رائد لي وقال:
-انظري داخل عيني يا قمر..

ثم أمسك يدي وقربها من صدره وأردف:
-وستجيدين أنكِ هنا.

سحبت يدي من يده، بينما التفت هو وريم واستمرا في مشاجرتهما، وأسر في المنتصف يحاول أن يهدئهما،
شعرت بالدوار والتيه، أشعر كأنني ضائعة واود كثيرًا لو يجدني أحدهم!

الذكريات تتناطح كالبروق المتتالية، أشعر وكأن كل ذكرياتي تداخلت ببعضها وشوشت تفكيري كثيرًا، استندت على الباب بيدي ووضعت يدي على جبهتي ووقتها شعرت بألم يطرق راسي، ألم لم أشعر به قط في حياتي.

خرجت من الباب وابتعدت عن المنزل مسافة لا بأس بها،
كنت أسير بلا وجهة محددة، راسي يؤلمني!
يؤلم كثيرًا..
حسنًا يا قمر، اهدئي
ستتخطي هذا،
التفت حولي لأجدني في وسط الغابة، تنتشر حولي الأشجار من كل مكان،
بدأت أهذي بالكلام دون شعور مني
أمي..
التمثال،
رائد
أحبك، لا تتركني

أمسكت رأسي بشدة، وبدأت الدموع تسقط من مقلتاي، مسحت اخر دمعة سقطت، بالتزامن مع سماع صوت رائد من خلفي!

-لا تذهبي.

التفت له فشعرت بدوار للمرة الثانية، وكدت أفقد توازني فاستندت على الشجرة العملاقة التي كانت بجانبي، ليحدث شيئًا غريبًا
وجدت الجزء الذي لمسته من الشجرة ينير!
كان رائد بعيدًا عني بضعة أمتار، توقف مكانه عندما لاحظ توهج الشجرة، وفجأة!
شعرت بالأرض وكأنها تهتز بجانبي، ظننته لوهلة زلزال حتى ظهرت دوامة تسحب كل ما حولها، تمسكت بالشجرة جيدًا وبدأت أصرخ لينقذني أحدهم،
شعرت بأن ذكرياتي تعود وتنزلق كالماء المسترسل، ثم عاد ذاك الألم في راسي فجأة وكأن أحدهم يطرق عليه بشدة،
فامسكت بها سريعًا وافلتت يداي من الشجرة، ليعم الظلام على عيناي ولا أشعر بشيء بعد صرخة مدوية من رائد باسمي،
ليكن آخر شيء أدركه هو انبثاق الضوء الرمادي من تلك الدوامة، وسحبها لي.






أشعة من الشمس تتعامد مباشرة على وجهي وتعيقني من أن أفتح عيناي، حاولت فتحهما ببطء شديد، وقمت بوضع يدي على عيني لكي تحميني من الضوء، واعتدلت في جلستي حيث كنت أستند على شجرة كبيرة تشبه كثيرًا التي كانت في الغابة أو أظنها هي!
ولكنني لست بالغابة، هذا المكان لا يوجد به إلا هذه الشجرة الضخمة، لأقف قائلة بخوف:
-أين أنا؟


دورت حول نفسي عدة مرات متتالية، حتى أني شعرت بالدار!
أين أنا؟ سأجن حقًا
منذ أن ذهبت للمستشفى..
ثانيا واحدة!
المستشفى، نعم! لقد تذكرت كل شيء، علي أن أذهب بأسرع ما يمكن للشرطة حتى يخرج رائد سالم، ولكن جئنا للسؤال الأهم
أين أنا الآن؟
واين رائد!
وما تلك الدوامة؟

التفت يمينًا ويسارًا لأجدني بصحراء جرداء لا يظهر لها أي معالم، ولا يوجد بها أي شخص، جلست بجانب الشجرة واستندت عليها ثم ضممت قدمي لصدري لاحتمي من البرد، وأخذت أنظر في اللاشيء،

لم يمر سوى بضعة دقائق حتى سقط شيء من أعلى الشجرة، لانتفض من مكاني
اقتربت بهدوء منه، وأخذت أضحك بسخرية على حالي
هل ستصبح عالمة مشهورة كنيوتن الذي أصبح عالما بسقوط شجرة على رأسه من الشجرة؟
ثم مددت يدي لألمسه رغم خوفي، كان يبدو كأنه مغلف وغلافه غريب الشكل، مزقت الغلاف بسرعة فقد ثار فضولي حقًا لأعلم ما هذا واين أنا.

فور تمزيقي للغلاف، وجدت ما بداخله يبتعد من أمامي وكأنه يطير! رئيس كأنه بل هو يطير!
كانت عبارة عن عصا صغيرة منطوية على نفسها تطير أمامي وكأنها تسبح في الهواء،
تواثبت دقات قلبي وقتها، هل أصبحت عالمة فعلا؟ أم ماذا! سيكون نيوتن مكتشف الجاذبية وأنا التي تنهيها؟

اللعنة عليّ وعلى أفكاري السخيفة، ماذا سأفعل بدأت أمِل فعليًا، مددت يدي ببطء وامسكت بالعصا لتسكن تمامًا في يدي وكأنها وجدت أمانها.
حاولت أن أحركها في الهواء، رفعتها لأعلى وأنزلتها لأسفل ولكن لا شيء!



-ألا يوجد أحد هنا يساعدني؟

سمعت تلك الجملة تتردد في الأرجاء من حولي، التفت لعلني أجد أحدًا، ولكن لا أحد! أشعر بأن الصوت قريب ولكني لا أجده، تلفت حولي للمرة الأخيرة وقررت التوغل في هذا المكان غير المعلوم، وعلى عكس العادة لم أخف، لم أتوتر، بل كنت كلي حماس! إنني متحمسة لهذه المغامرة للغاية.

أخذت اغني في الطريق، هكذا أنا أتناسى احزاني بالهروب من الواقع، ولا يوجد أجمل من هذا هروب!
أنا الآن أتناسى أمي وحقيقتها التي لا أعرف عنها شيئًا، هل أمي كانت امرأة سيئة كما تقول ريم؟
ولكنها كانت حنونة وطيبة القلب، بل كانت احن وأطيب امرأة رأيتها في حياتي، كيف يمكن أن تفعل كل هذا!
امي لا تعمل مع هؤلاء الأشخاص قط حتمًا.


بعدما سرت مسافة لا بأس بها رأيت من بعيد كهف صغير، فبدات في الركض باتجاهها، على الاقل لأجد شخصًا فلقد أقتربت للإصابة بالجنون من كثرة كلامي لنفسي.

وصلت أمام الكهف، لأسمع نفس الصوت مجددًا يقول:
-ألا يوجد أحد هنا يساعدني؟

وجدت نفسي أجاوبها قائلة:
-انا هنا، سأساعدك لا تقلقي.

لأجد صاحبة الصوت الغامض تقول:
-من أنتِ؟

قلت باستغراب:
-كيف أدخل؟ هذا الباب مغلق.

لأجدها تكرر السؤال بإلحاح:
-من أنتِ؟

فقلت باستغراب:
-حتى لو قلت من أنا ستعرفينني؟ لا أظن، أيًا يكن أنا قمر، كيف أدخل لأساعدك؟

لادج صوتها يأتيني مبتسمًا:
-حسنًا قمر، هذه هي مشكلتي أنا محبوسة هنا منذ فترة كبيرة واستغربت كثيرًا من وجود أحد هنا، فأنا هنا مستبعدة تمامًا عن بلدتي ولا أستطيع الخروج.


اقتربت خطوة من الباب وتسألت:
-ولكن لماذا أنتِ مستبعدة؟ هل ارتكبت خطأ ما؟

لم أعطها فرصة للإجابة وسألتها فورًا:
-وأي بلدة تتحدثين عنها، أين نحن أساسًا؟


صمتت دقيقة ثم قالت:
-مدينة طروادة! ألا تعرفين أين نحن؟

أردفت قائلة بهدوء:
-لا، لم أسمع بها من قبل قط.

ثم سألت نفسي بصوت عال:
-كم تبعد عن منزلي يا ترى؟

أتى صوتها من داخل الكهف قائلة:
-وأين هو منزلك؟ إذا ذهبتي لمدينة طروادة يسهل عليكِ الذهاب لأي مكان؛ فطروادة ساحرة.

قالت قمر بشرود:
-حسنًا وكيف أذهب للمدينة.

قالت بصوت عال:
-هذا طريق يطول شرحه، هلا وجدتي طريقة تخرجيني بها؟ وبعدها ساشرح لكِ بالتفاصيل.

دورت حول نفسي وقلت:
-ولكن كيف يا..؟

-عائشة، اسمي عائشة.

قلت بقلة حيلة:
-حسنًا يا عائشة، كيف أخرجك من هنا؟

قالت عائشة:
-انتبهي الآن، هذا الباب لا يُفتح إلا بطريقة واحدة...أعتقد أنها أسهل طريقة وجدت في التاريخ، من سهولتها لا أحد يستطيع فتحه.

فقلت بسخرية:
-أوه لا تقولي سأخمن، يُفتح بمفتاح!
-...
لم تجب فأردفت:
-حسنًا حسنًا لن أتساخف، بإمكانك أن تكملي.

أردفت عائشة:
-ستتحدثين مع الكهف، إن أعجب الكهف حديثك؛ سيفتح، وان لم يعجبه لن يفتح

ثم سكتت قليلًا واردفت بهمس لكنه وصلني:
-وإن أزعجته، سوف يحبسك أنتِ أيضًا.

ما هذا الآن؟ حسنًا قلت مغامرة وحماس، ولكن لا يعقل كل هذا! هل أنا في حلم يا ترى؟ أم بدأت أهذي؟ بالتأكيد لن أتكلم مع جماد الآن!

سمعت صوت عائشة تقول:
-هيا قمر لماذا سكتي، لا يوجد ما يدعو للخوف، جربي، أرجوكِ.

أغمضت عيني قائلة:
-اللهم ياربي! ما هذا الذي حل بي.

ثم أردفت:
-أهلًا أيها الكهف..دقيقة واحدة

ثم جلست أرضًا وقلت ببلاهة:
-ها أنا تحت الآن، اتعلم أيها الكهف؟ على الرغم من أنك أصغر بكثير من قصرنا، تكاد لا تحصل غرفة واحدة منه، ولكن بالنسبة لك أنا صغيرة جدًا وأنا جالسة أليس كذلك؟
والعكس أنت بالنسبة لي ضخمًا.

ثم غمزت بعيني:
-هيا، احكي لي وفضفض
ثم همست:
-لا تقلق لا يوجد أحد يسمعنا، ما الذي يزعجك لهذه الدرجة ولا تعطينا بنتنا، ها؟

هززت رأسي، ثم حركت فمي وضيقت عيني بتفكير:
-لا رد، حسنًا أيها الكهف أنا متأكدة أننا يمكننا التفاهم.

لم أسمع ردًا لا من عائشة ولا من هذا الكهف، اللعنة عليّ، هل صدقت أن هناك جماد يتكلم؟

وقفت ووضغت يدي وسط خصري قائلة:
-تمام أنت الذي أضطرتني لهذا، كم تريد وتطلق سراح عائش؟
واردفت قائلة:
-صحيح لا أعلم ما العملة المتداولة هنا، ولكن يمكننا حل هذا معًا.

صمت تام في الأرجاء، شعرت نفسي مجنونة تتحدث مع نفسها في مكان لا تعرف ماهيته قط.

أتاني صوت ضغم على غفلة قائل:
-يمكننا التفاهم أيها السيدة غريبة الأطوار.

فتحت فمي لاقول بصدمة:
-هذا يتكلم!
ثم أردفت بسرعة بسخرية:
-هل أصبحت أنا الآن غريبة الأطوار؟ ليس أنتم يعني؟


ليردف الكهف في نفس الدقيقة:
-سنتفاهم أم أعود لصمتي من جديد؟

تدخلت عائشة في الحوار قائلة:
-هيا يا قمر أرجوكِ، أنتِ تتقدمين بشكل جيد للغاية، أرجوكِ قومي بالاتفاق يجب أن أرجع لزينو بالتأكيد هي بحاجة لي الآن.

تنهدت وقلت:
-ماذا تريد؟

تنهد الكهف وقال بنبرة يشوبها الحزن:
-أريد أن أعامل برفق، لم يتعاملون معنا بقسوة هكذا؟
لم بهرجونني بسرعة ويتركوني بالشهور وحيدًا حزينًا؟

صمت قليلًا ثم أكمل:
-هل يمكن أن أحظى بهذا؟

وضعت يدي على جبهتي، وأخذت نفسًا طويلًا لاقول بسرعة:
- انظر يا حضرة الكهف، أنا امرأة سقطت من فجوة أو دوامة لا أعرف ماهيتها، لمكان لا أعرف ماهيته، لا يوجد أي شخص قابلته رغم وصولي هنا منذ ساعات، بدأت أجن حقًا، ولا أتصور أني الآن اتحدث مع جماد!
-حتمًا أنا أهذي الآن..

تدخلت عائشة في الحوار وقالت بهدوء:
-نخاف جميعًا على مشاعر أصدقائنا وعائلتنا والأقربين منا، نخاف أن نجرحهم بكلمة أو فعل ما، أو نؤذيهم بغير قصد، ولكننا ننسى دائمًا أن نخاف على ما لا يصح له أن يتكلم ولكنه يشعر بنا، ننسى أن البيوت التي نعيش بها حية تتنفس وتشعر بنا ولكننا لا نشعر بها قط!
المرايات، المقاعد، الشرفات، المناديل، النضارات، والثريات المعلقة التي تصدر صوتًا لإهتزازها ببعضها البعض..

-كن رقيق القلب يا صاح فرغم أن تلك الأشياء جامدة أمامك إلا أنها تتأثر كثيرًا بما يحدث معهم، فهم يعانون ويتألمون ويصيحون بلغتهم الخاصة التي لا نفهم كنهها.
فكر، حاول، اقترب!
ولو فعلت ذلك أضمن لك أنك ستشعر بهم، وتسمع صوت تنفسهم كأنهم كائنات حية، تشعر بمعاناتهم وتهون عليهم، لا شك أنك تفكر الآن أن ما أخبرك به جنون أليس كذلك؟
حسنًا، أصمت قليلًا وأغمض عينيك واسترخ، والآن أتسمع ذاك الصوت الغريب الذي يأتي من تلك الشرفة في نهاية الممر؟


انتفضت من مكاني وقلت:
-ماذا!! أي شرفة، واي ممر؟

ضحكت عائشة وعقبت:
-حسنًا أمزح.

أغمضت عيني وقلت بابتسامة تائهة:
-حسنًا يا حضرة الكهف أنا أسفة حقًا لم يكن في نيتي أن أجرح مساعرك، وصدقني سأحاول بكل طاقتي فترة بقائي هنا أنا أساعدك في حل مشكلتك، اتفقنا؟

ضحك الكهف ضحكة كبيرة ثم سمعت صوت الباب وهو يفتح وقال:
-يا لكِ من فتاة لطيفة..

حدقت بالباب دقيقتين انتظر خروج عائشة، واخاف كثيرًا أن أبادر بالدخول ويقلل ذلك الباب مجددًا،
وعندما تاخرت أخذت قرار بالدخول، تحركت خطوة لتثبت مكاني عندما فتح الباب على آخره لتخرج منه عائشة

-عائ...
-قم...

وهنا كانت الصدمة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي