الفصل الرابع
جلس رائد أرضًا بعد الابتعاد عن مكان الحادثة بمسافة ساعتين!
أخذ يلتقط أنفاسه ثم وجه أنظاره تجاه آسر الذي قال له وهو ينظر وسط الغابة:
-وصلنا.
نظر رائد باستغراب وسأله:
-هنا!
كيف سأعيش بالغابة؟
أجابه وهو يسبقه بضع خطوات:
-سأريك، أقتربنا..
توغلا في الغابة قليلًا، حتى لمح من بعيد منزل صغير في وسط الغابة!
فقال له رائد بعدم راحة:
-متاكد من عدم وجود حيوانات هنا ليلًا؟
اجابه آسر بتأكيد:
-لا تقلق، هنا أكثر مكان آمن يمكن أن تجلس به، لا يستطيع أحد الوصول لك،
والآن هيا لندخل إلى الداخل فيجب أن نعرض خطة محكمة، فعلينا إيجاد حل بأسرع ما يمكن.
اقتربوا من المنزل الذي كان على شكل مربع وأمامه مساحة فارغة يبعتد عن الأشجار بمسافة خمسة أمتار، يوجد به شباك من الامام، وبابه عريض.
دلفوا إلى الداخل ثم أشعل رائد الشمع؛ ليضئ المكان
وأخذوا يضعوا خطة محكمة لكيفية التخلص من العصابة وريم بعد أن شرح رائد لآسر أول الحكاية إلى أخرها.
.
.
.
في مكان آخر يبتعد عنهم ساعات، يقف خمس رجال احترمًا وتبجيلًا لقائدهم، يتلقوا التوبيخ بكل صدر رحب، ولا احد منهم يعلم كيفية إرضائه.
قال حسن ورأسه في الأرض:
-رجال الأمن كانوا أمام الحجرة، لم يتركوا لنا فرصة قط.
صرخ القائد عمر في وجهه وعيناه الزرقاء مليئة بالغضب:
-أتعرف كم أصبح من الصعب أكثر قتلها الآن!
لقد استيقظت، ومن الممكن في أي لحظة أن تتذكر كل شيء.
ثم أكمل وهو يدور حول نفسه:
-أغبياء!
المهم، أين التمثال الآن؟
نظر حسن لصديقه عباس فكان قد أعطى هذه المهمة له ذلك اليوم،
عندما اتصلت ريم بهم واخبرتهم بوصول رائد وأنها ستفقد السيطرة على قمر،
وقتها تذكر حسن أنه كلفه هو تحديدًا بأخذ التمثال من مكانه دون أن يلاحظ أحدًا وكان ذلك بالاتفاق مع أحد رجال الشرطة الذي يعمل لصالحنا.
فاق حسن من شروده على صراخ عمر في وجهه:
-أيين ذهبت! أنا أسأل سؤال هنا!
نظر له حسن وابتلع لعابه وقال:
-مع عباس يا قائد.
نقل عمر نظره من حسن إلى عباس، وحرك رأسه دليل على تكرار السؤال، فدار عباس بعينيه وقال بقلق:
-كان معي يا سيدي ولكن حدث شيئًا عجيبًا،
سأقصه عليك الآن
أخذت التمثال وأختفيت من الوسط بأسرع ما يمكن وتمت المهمة بنجاح،
ثم ذهبت فورًا إلى بيت المزرعة الخاص بنا، فتحت ببصمتي ثم وضعت كلمة السر ثم فتح بالمفتاح، دلفت ببطء، ووصلت إلى الدولاب السحري الخاص بسهير والدة قمر، والذي صار خاص بك بعد موتها، وضعت بصمتي أنا فقط ووضعت التمثال بيداي الاثنين أنا متأكد واقفلت عليه بثلاث وسائل واخيرًا وضعت بصمتي مرة اخرى وخرجت لاستنشاق بعض الهواء وتحدثت في الهاتف على عجل مع زوجتي فقط أقسم لك.
لم يكن هناك أي مخلوق في بيت المزرعة فكما تعلم أنه لا يظهر لأي أحد إلا من سكان مدينة طروادة فقط..
وكان الهدوء يعم المكان، ولكن عندما دلفت إلى الداخل مرة أخرى رأيت ضوءًا يأتي من داخل الغرفة!
اقتربت بسرعة ظنًا مني أن هناك أحدًا في المنزل ونسيت فجأة أن من سابع المستحيلات دلوف أي شخص هذا البيت طالما أنا فيه، وقمت بقفله جيدًا.
وبخه القائد عمر وقال:
-غبي! بالتأكيد فعلت شيئًا خاطئًا.
أردف عباس بسرعة قبل أن يسيئ فهمه:
-لا، لم أفعل أقسم لك!
اقتربت أكثر من الغرفة ودخلت والمفاجأة الدولاب هو الذي كان ينير!
دهشت، كان الدولاب السحري عادة ذا لون أبيض خافت، ولكن عندما دلفت للحجرة وجدته يضئ بألوان عديدة متداخلة تشبه قوس القزح.
ثم ...ث..ثم
صرخ حسن:
-ثم ماذا يا أبله!
ازدرف عباس ريقه وأكمل:
-ثم فتحت الخِزانة السحرية من كل الاقفال وأخيرًا وضعت بصمتي، وفجأة! قل توهج الضوء تدريجيًا ليعود الابيض الباهت، ثم المكان فارغ!
-صدقني سيدي لا أعلم كيف حدث ذلك، لقد ضاع من أمام عيني رغم أنني حافظت عليه بكل ما اوتيت من قوة..
جلس القائد عمر في مكانه من الصدمة، بينما مسح حسن على وجهه برعب مما هو قادم.
.
.
.
"قمر"
لقد أخذت أجازة طويلة من الثرثرة داخل عقلي، والخوف من الناس وعليهم!
لطالما كانت شخصيتي غريبة الأطوار عليّ، فتارة أشعر وكأني احب الناس كثيرًا واتمنى ولو يمكنني التحليق ومشاهدة العالم من السماء، وتارة أشعر بالغضب منهم ومن نفسي ولاسيما من أحب،
فعندما أكون ودودة ولطيفة أنشر المحبة والحب في كل مكان، واتمنى لو أبقى كذلك دائمًا
ولكن هذه انا، وهذه هي شخصيتي ولا يوجد ما يمكن فعله حيال هذا!
فقت من تفكيري على دخول ريم الغرفة، مرت بضع أيام على مكوثي في المستشفى وعدم رجوع ذاكرتي، أحزن كثيرًا لعدم تذكري جزء كبير من أحداث يبدو عليها أنها شيقة وغامضة طالما أنهم لا يريدون إخباري عنها شيئًا، لا أتذكر سوى أمي وضحكنا سويًا، وريم صديقتي، وصديقاتي القدامى سارة وحبيبة ومها، وحتى آسر الذي زارني أربع مرات فقط منذ أن استيقظت من الغيبوبة ولكن لا أتذكر أي شيء من الأحداث الأخيرة.
ولكن يوجد شيء غريب لم أتوصل لسببه حتى الآن وهو رائد!
لماذا لم يأتي لي ولو لمرة واحدة؟ لماذا عندما استيقظت من الغيبوبة كان يوجد بجانبه شرطيان؟، لماذا اختفى فجأة ولم أعلم عنه خبرًا،
والأسوأ لماذا لا يخبرني أحد عنه أي شيء قط!
قاطعت ريم حبل أفكاري للمرة الثانية، كنت نسيت وجودها للحظة، فقالت لي:
-أين ذهبت قمرنا؟
أجبتها بملل:
-هنا، منذ أيام...ما عساي أن أفعل سوى النوم أو التحديق في سقف الغرفة.
ابتسمت ريم وهي تمثل الحزن والتأثر:
-سامحك الله يا قمر، ألم أجلس معكِ وأثرثر بذكريات طفولتنا حتى لا تملي!
ثم ضحكت فضحكت معها لتقاطع صوت الممرضة اصواتنا التي قالت:
-لدي خبر أكثر من رائع لكما..
ثم أكملت عندما رأت الحماس في أعيننا:
-لقد سمح الطبيب بخروج قمر أخيرًا!
قلت بصوت يغمره الفرح:
-وأخيرًا، حمدًا لله ياربي سأنجو من هذا المكان الممتلئ بأدوية والمرضى.
قالت الممرضة بمشاكسة:
-لا تنسي يا قمر أنكِ المرضى هنا.
قالت قمر وهي تمسك بخصلة من شعرها:
-حسنًا لديك حق في ذلك.
خرجت الممرضة فنظرت إلى ريم التي لم تتفوه بكلمة قط، وكانت تقف شاردة تنظر للفراغ، ناديتها بسكون:
-ريم..
لم تجب، كررت النداء مرتين فلم تسمع، فصرخت في وجهها:
-ريييييييم
قالت:
-ماذا! أفزعتيني يا بلهاء.
نظرت لها ميضقة عيناي وسألتها:
-اممم أين ذهبتِ يا ترى؟
قالت بسخرية:
-في زوجي المصون والأولاد الذيين تركتهم في المنزل، والعمل الذي تركته،
ثم وضعت يدها على بطنها وقالت بجدية:
-والطفل القادم بالطريق.
سقط فوهي من الصدمة وفتحت عيناي على أخرهما وسألتها بسرعة:
-هل فوتت الكثير بفقدان الذاكرة هذا، متى تزوجتي أنتِ!
يا إلهي أكانت هذه الغيبوبة أسبوعًا أم عامًا؟
انفجرت ريم من الضحك وقالت:
-بلهاء، أمزح معكِ هذا انتفاخ القولون ليس إلا.
ثم أكملت:
-هيا هيا، لنجهزك الآن لنجرج من هذه المستشفى سالمين ونعود للمنزل بأمان..
قمت بارتداء ملابسي بتمهل؛ فجرحي لم يشفى تمامًا بعد،
وأثناء ارتدائي كانت ريم جمعت ملابسي في الحقيبة وكنا في أتم الاستعداد للذهاب إلى قصر امي،
اشتقت لها كثيرًا، ولكن ريم قالت لي أنها سافرت في رحلة عمل، أعرف أمي جيدًا تحب العمل كثيرًا ومجتهدة فيه، فإن طُلب منها شيئًا لا تتركه إلا وهو على أكمل وجه.
ولكن مازلت أشعر بشعور سيئ يستحوذ عليّ، وكأن هناك حدث كارثي سيحدث قريبًا أو ربما حدث أصلًا!
تأهبنا للخروج من الغرفة، ولكن ظهر آسر فجأة من العدم وطلب التحدث مني على انفراد لدقيقتين فذهبت معه بعيدًا عن ريم بعد أن أخذت إذنها،
بدأ آسر حديثه على عجلة من أمره:
- الآ سأخذك لمكان ولكن لا أريد من أحد أن يعلم أبدًا، ستقولين أننا سنذهب لقضاء حاجة وسنرجع مجددًا.
قلت:
-حسنًا، لا يوجد مشكلة ناخذ ريم ونذهب لا يوجد سوانا على أي حال.
قال آسر بسرعة:
-لا، ريم لا!
-اسمعيني يا قمر الموضوع جد خطير وعلينا بقاء السرية وتفادي الأخطاء
قام أخفض صوته وهمس:
-سنذهب لرائد.
كدت اتكلم ولكن قاطعني:
- الوقت يداهمنا، صدقيني هذا انسب وقت لأخذك من هنا، فأنا أحاول منذ أيام إيجاد الفرصة المناسبة،
والآن ستخبري ريم بأن تذهب هي وستلحقينها أنتِ في وقت لاحق.
لم يترك لي خيارًا آخر، فذهبت لأخبر ريم، اعترضت بشكل قاطع، لم أرها تصر بهذا الشكل قط في حياتي!
وبعد الكثير من المناقشات وافقت ولكن بشرط أن أرجع بعد ساعتين كحد أقصى،
فودعتها وانطلقت في طريقي الذي لا أعلم عنه شيئًا مع آسر.
انطلقنا في طريقنا الذي طال كثيرًا، دخل آسر من ممرات غريبة ثم خرج منها لأجد أننا نعود لنفس النقطة، لم أسأله شيئًا واخذت أشاهد الطبيعية والأشجار مع لفحة من الهواء البارد الذي كان يضرب وجهي.
.
.
.
وصل آسر وقمر للغابة أخيرًا بعد أكثر من ساعتين نظرًا لأن آسر حاول تضليل الطريق خوفًا من أن يتبعهم أحد،
نظرت قمر بدهشة للمكان وقالت باستغراب:
- هل رائد هنا؟
قال آسر وهو يغلق السيارة:
-نفس صدمة رائد عندما وصلنا.
قالت قمر بتعب:
-حقًا أنا لا أفهم ولا أتذكر شيئًا قط، ومازلت لا أستوعب لم أرى رائد هنا بعيد عن العالم؟
أجاب آسر وهو يتجه نحو الغابة:
-ستعرفين الآن، اتبعيني.
وعلى بعد بضع كيلومترات، ترجلت ريم من السيارة بصدمة، أغمضت عينيها لتقول:
-ستكون نهايتي اليوم لا محالة.
ثم كتبت رقم بسرعة وابتلعت ريقها بصعوبة، وانتظرت الرد، الرنة الأولى، الثانية، الثالثة، ثم:
-ماذا؟
أجابت ريم بالقنبلة دفعة واحدة:
-نحن في مصيبة!
لقد جاءت قمر إلى الغابة، قريبة جدًا من مدينة طروادة،
اعلم أن لا أحد من آسر أو رائد لهم حق رؤية المدينة، لا أقلق من جانبهم، ولكن ماذا عن قمر! هي ابنة السيدة سهير!
قال القائد عمر:
-يا لكم من مجموعة حمقى،
هذه هي أخر فرصة لكِ يا ريم، فإن مرت قمر من جانب المدينة، وأظهرت المدينة المكان لها سنندم جميعًا..
أغلق عمر في وجهها الخط، فأخذت تفكر ما عليها فعله الآن، واول ما توصلت إليه أن تلحق بهم لتعلم إلى أين وجهتهم؟
.
.
.
-هل أنت متأكد أن رائد هنا؟
لم يجيب فسألت مجددًا:
-لماذا يترك بيت خالتي ويأتي إلى هنا؟
وما من رد فسألت مرة أخيرة:
-ولكن ريم أخبرتني أن رائد لا يتمنى لي الخير..
توقف آسر فجأة ظنت أنه سيدافع عن صديقه ولكنه نظر أمامه وقال لها:
-وصلنا!
نظرت قمر نظرة مطولة للمنزل وساروا خطوتين للأمام، تفقد آسر خلفه وحول المنزل جيدًا ثم فتح الباب لتدلف قمر ثم دلف وراءها.
وقفت ريم خارج المنزل للحظات لا تعلم ما عليها فعله، هل تدخل في مشهد سينيمائي وتمثل الدفاع عن صديقتها ضد قريبها التي كانت قد قالت لها مسبقًا أنه يريد الحصول على ميراثها؟
تقنعها وتأخذها قبل فوات الأوان، ومن ثم ستذهب للقائد مباشرة ومعها قمر،
ام تنتظر خروجها من المنزل وتفتعل مشاجرة ثم تسحبها معها أيضًا؟
نظرت حولها جيدًا ثم حدقت بالباب للحظات..
بينما في الداخل تقف قمر وسط المنزل لا تقوى على التقدم، شيئًا ما يحثها على المبادرة بالتقدم لرائد، ولكن عقلها يذكرها بكلام ريم، تشعر بتشتت بالغ،
من عليها تصديقه الآن؟
اقترب رائد منها خطوة، فابتعدتها هي، نظر لها باستغراب وقال وهو يحدق في عينيها:
-حمدًا لله على سلامتك يا قمر.
أومأت برأسها له فقط.
نظر آسر لرائد نظرة بمعنى أنه لا فائدة، فبادر رائد بالكلام مباشرة:
-أعلم أنك تريدين معرفة الكثير من الأشياء ولكن لا أستطيع إخبارك!
ولكن يجب أن تثقي بي يا قمر.
ثم أمسك يديها جيدًا وقال:
- انظري إلى داخل عيناي.
نظرت فأكمل:
-ثقي بي، سينتهي هذا الكابوس.
شتتت قمر عينيها من عليه عندما لاحظت انها تتأثر، فسحبت يديها وقالت:
-أي كابوس؟
لم يجيب بل أمسك يديها مجددًا وقال:
- لن أتركك لهم مرة أخرى.
ثم ضع يده الأخرى على شعرها وقال بحنان:
- ساحبك دائمًا وابدًا يا قمر رائد فقط.
قاطع كلامهم صوت اقتحام ريم للمنزل بصوتها الجهوري، وهي تصرخ وتقول في مشهد رأته قمر درامي بعض الشيء:
-لقد جئت لإنقاذك يا صديقتي!
أخذ يلتقط أنفاسه ثم وجه أنظاره تجاه آسر الذي قال له وهو ينظر وسط الغابة:
-وصلنا.
نظر رائد باستغراب وسأله:
-هنا!
كيف سأعيش بالغابة؟
أجابه وهو يسبقه بضع خطوات:
-سأريك، أقتربنا..
توغلا في الغابة قليلًا، حتى لمح من بعيد منزل صغير في وسط الغابة!
فقال له رائد بعدم راحة:
-متاكد من عدم وجود حيوانات هنا ليلًا؟
اجابه آسر بتأكيد:
-لا تقلق، هنا أكثر مكان آمن يمكن أن تجلس به، لا يستطيع أحد الوصول لك،
والآن هيا لندخل إلى الداخل فيجب أن نعرض خطة محكمة، فعلينا إيجاد حل بأسرع ما يمكن.
اقتربوا من المنزل الذي كان على شكل مربع وأمامه مساحة فارغة يبعتد عن الأشجار بمسافة خمسة أمتار، يوجد به شباك من الامام، وبابه عريض.
دلفوا إلى الداخل ثم أشعل رائد الشمع؛ ليضئ المكان
وأخذوا يضعوا خطة محكمة لكيفية التخلص من العصابة وريم بعد أن شرح رائد لآسر أول الحكاية إلى أخرها.
.
.
.
في مكان آخر يبتعد عنهم ساعات، يقف خمس رجال احترمًا وتبجيلًا لقائدهم، يتلقوا التوبيخ بكل صدر رحب، ولا احد منهم يعلم كيفية إرضائه.
قال حسن ورأسه في الأرض:
-رجال الأمن كانوا أمام الحجرة، لم يتركوا لنا فرصة قط.
صرخ القائد عمر في وجهه وعيناه الزرقاء مليئة بالغضب:
-أتعرف كم أصبح من الصعب أكثر قتلها الآن!
لقد استيقظت، ومن الممكن في أي لحظة أن تتذكر كل شيء.
ثم أكمل وهو يدور حول نفسه:
-أغبياء!
المهم، أين التمثال الآن؟
نظر حسن لصديقه عباس فكان قد أعطى هذه المهمة له ذلك اليوم،
عندما اتصلت ريم بهم واخبرتهم بوصول رائد وأنها ستفقد السيطرة على قمر،
وقتها تذكر حسن أنه كلفه هو تحديدًا بأخذ التمثال من مكانه دون أن يلاحظ أحدًا وكان ذلك بالاتفاق مع أحد رجال الشرطة الذي يعمل لصالحنا.
فاق حسن من شروده على صراخ عمر في وجهه:
-أيين ذهبت! أنا أسأل سؤال هنا!
نظر له حسن وابتلع لعابه وقال:
-مع عباس يا قائد.
نقل عمر نظره من حسن إلى عباس، وحرك رأسه دليل على تكرار السؤال، فدار عباس بعينيه وقال بقلق:
-كان معي يا سيدي ولكن حدث شيئًا عجيبًا،
سأقصه عليك الآن
أخذت التمثال وأختفيت من الوسط بأسرع ما يمكن وتمت المهمة بنجاح،
ثم ذهبت فورًا إلى بيت المزرعة الخاص بنا، فتحت ببصمتي ثم وضعت كلمة السر ثم فتح بالمفتاح، دلفت ببطء، ووصلت إلى الدولاب السحري الخاص بسهير والدة قمر، والذي صار خاص بك بعد موتها، وضعت بصمتي أنا فقط ووضعت التمثال بيداي الاثنين أنا متأكد واقفلت عليه بثلاث وسائل واخيرًا وضعت بصمتي مرة اخرى وخرجت لاستنشاق بعض الهواء وتحدثت في الهاتف على عجل مع زوجتي فقط أقسم لك.
لم يكن هناك أي مخلوق في بيت المزرعة فكما تعلم أنه لا يظهر لأي أحد إلا من سكان مدينة طروادة فقط..
وكان الهدوء يعم المكان، ولكن عندما دلفت إلى الداخل مرة أخرى رأيت ضوءًا يأتي من داخل الغرفة!
اقتربت بسرعة ظنًا مني أن هناك أحدًا في المنزل ونسيت فجأة أن من سابع المستحيلات دلوف أي شخص هذا البيت طالما أنا فيه، وقمت بقفله جيدًا.
وبخه القائد عمر وقال:
-غبي! بالتأكيد فعلت شيئًا خاطئًا.
أردف عباس بسرعة قبل أن يسيئ فهمه:
-لا، لم أفعل أقسم لك!
اقتربت أكثر من الغرفة ودخلت والمفاجأة الدولاب هو الذي كان ينير!
دهشت، كان الدولاب السحري عادة ذا لون أبيض خافت، ولكن عندما دلفت للحجرة وجدته يضئ بألوان عديدة متداخلة تشبه قوس القزح.
ثم ...ث..ثم
صرخ حسن:
-ثم ماذا يا أبله!
ازدرف عباس ريقه وأكمل:
-ثم فتحت الخِزانة السحرية من كل الاقفال وأخيرًا وضعت بصمتي، وفجأة! قل توهج الضوء تدريجيًا ليعود الابيض الباهت، ثم المكان فارغ!
-صدقني سيدي لا أعلم كيف حدث ذلك، لقد ضاع من أمام عيني رغم أنني حافظت عليه بكل ما اوتيت من قوة..
جلس القائد عمر في مكانه من الصدمة، بينما مسح حسن على وجهه برعب مما هو قادم.
.
.
.
"قمر"
لقد أخذت أجازة طويلة من الثرثرة داخل عقلي، والخوف من الناس وعليهم!
لطالما كانت شخصيتي غريبة الأطوار عليّ، فتارة أشعر وكأني احب الناس كثيرًا واتمنى ولو يمكنني التحليق ومشاهدة العالم من السماء، وتارة أشعر بالغضب منهم ومن نفسي ولاسيما من أحب،
فعندما أكون ودودة ولطيفة أنشر المحبة والحب في كل مكان، واتمنى لو أبقى كذلك دائمًا
ولكن هذه انا، وهذه هي شخصيتي ولا يوجد ما يمكن فعله حيال هذا!
فقت من تفكيري على دخول ريم الغرفة، مرت بضع أيام على مكوثي في المستشفى وعدم رجوع ذاكرتي، أحزن كثيرًا لعدم تذكري جزء كبير من أحداث يبدو عليها أنها شيقة وغامضة طالما أنهم لا يريدون إخباري عنها شيئًا، لا أتذكر سوى أمي وضحكنا سويًا، وريم صديقتي، وصديقاتي القدامى سارة وحبيبة ومها، وحتى آسر الذي زارني أربع مرات فقط منذ أن استيقظت من الغيبوبة ولكن لا أتذكر أي شيء من الأحداث الأخيرة.
ولكن يوجد شيء غريب لم أتوصل لسببه حتى الآن وهو رائد!
لماذا لم يأتي لي ولو لمرة واحدة؟ لماذا عندما استيقظت من الغيبوبة كان يوجد بجانبه شرطيان؟، لماذا اختفى فجأة ولم أعلم عنه خبرًا،
والأسوأ لماذا لا يخبرني أحد عنه أي شيء قط!
قاطعت ريم حبل أفكاري للمرة الثانية، كنت نسيت وجودها للحظة، فقالت لي:
-أين ذهبت قمرنا؟
أجبتها بملل:
-هنا، منذ أيام...ما عساي أن أفعل سوى النوم أو التحديق في سقف الغرفة.
ابتسمت ريم وهي تمثل الحزن والتأثر:
-سامحك الله يا قمر، ألم أجلس معكِ وأثرثر بذكريات طفولتنا حتى لا تملي!
ثم ضحكت فضحكت معها لتقاطع صوت الممرضة اصواتنا التي قالت:
-لدي خبر أكثر من رائع لكما..
ثم أكملت عندما رأت الحماس في أعيننا:
-لقد سمح الطبيب بخروج قمر أخيرًا!
قلت بصوت يغمره الفرح:
-وأخيرًا، حمدًا لله ياربي سأنجو من هذا المكان الممتلئ بأدوية والمرضى.
قالت الممرضة بمشاكسة:
-لا تنسي يا قمر أنكِ المرضى هنا.
قالت قمر وهي تمسك بخصلة من شعرها:
-حسنًا لديك حق في ذلك.
خرجت الممرضة فنظرت إلى ريم التي لم تتفوه بكلمة قط، وكانت تقف شاردة تنظر للفراغ، ناديتها بسكون:
-ريم..
لم تجب، كررت النداء مرتين فلم تسمع، فصرخت في وجهها:
-ريييييييم
قالت:
-ماذا! أفزعتيني يا بلهاء.
نظرت لها ميضقة عيناي وسألتها:
-اممم أين ذهبتِ يا ترى؟
قالت بسخرية:
-في زوجي المصون والأولاد الذيين تركتهم في المنزل، والعمل الذي تركته،
ثم وضعت يدها على بطنها وقالت بجدية:
-والطفل القادم بالطريق.
سقط فوهي من الصدمة وفتحت عيناي على أخرهما وسألتها بسرعة:
-هل فوتت الكثير بفقدان الذاكرة هذا، متى تزوجتي أنتِ!
يا إلهي أكانت هذه الغيبوبة أسبوعًا أم عامًا؟
انفجرت ريم من الضحك وقالت:
-بلهاء، أمزح معكِ هذا انتفاخ القولون ليس إلا.
ثم أكملت:
-هيا هيا، لنجهزك الآن لنجرج من هذه المستشفى سالمين ونعود للمنزل بأمان..
قمت بارتداء ملابسي بتمهل؛ فجرحي لم يشفى تمامًا بعد،
وأثناء ارتدائي كانت ريم جمعت ملابسي في الحقيبة وكنا في أتم الاستعداد للذهاب إلى قصر امي،
اشتقت لها كثيرًا، ولكن ريم قالت لي أنها سافرت في رحلة عمل، أعرف أمي جيدًا تحب العمل كثيرًا ومجتهدة فيه، فإن طُلب منها شيئًا لا تتركه إلا وهو على أكمل وجه.
ولكن مازلت أشعر بشعور سيئ يستحوذ عليّ، وكأن هناك حدث كارثي سيحدث قريبًا أو ربما حدث أصلًا!
تأهبنا للخروج من الغرفة، ولكن ظهر آسر فجأة من العدم وطلب التحدث مني على انفراد لدقيقتين فذهبت معه بعيدًا عن ريم بعد أن أخذت إذنها،
بدأ آسر حديثه على عجلة من أمره:
- الآ سأخذك لمكان ولكن لا أريد من أحد أن يعلم أبدًا، ستقولين أننا سنذهب لقضاء حاجة وسنرجع مجددًا.
قلت:
-حسنًا، لا يوجد مشكلة ناخذ ريم ونذهب لا يوجد سوانا على أي حال.
قال آسر بسرعة:
-لا، ريم لا!
-اسمعيني يا قمر الموضوع جد خطير وعلينا بقاء السرية وتفادي الأخطاء
قام أخفض صوته وهمس:
-سنذهب لرائد.
كدت اتكلم ولكن قاطعني:
- الوقت يداهمنا، صدقيني هذا انسب وقت لأخذك من هنا، فأنا أحاول منذ أيام إيجاد الفرصة المناسبة،
والآن ستخبري ريم بأن تذهب هي وستلحقينها أنتِ في وقت لاحق.
لم يترك لي خيارًا آخر، فذهبت لأخبر ريم، اعترضت بشكل قاطع، لم أرها تصر بهذا الشكل قط في حياتي!
وبعد الكثير من المناقشات وافقت ولكن بشرط أن أرجع بعد ساعتين كحد أقصى،
فودعتها وانطلقت في طريقي الذي لا أعلم عنه شيئًا مع آسر.
انطلقنا في طريقنا الذي طال كثيرًا، دخل آسر من ممرات غريبة ثم خرج منها لأجد أننا نعود لنفس النقطة، لم أسأله شيئًا واخذت أشاهد الطبيعية والأشجار مع لفحة من الهواء البارد الذي كان يضرب وجهي.
.
.
.
وصل آسر وقمر للغابة أخيرًا بعد أكثر من ساعتين نظرًا لأن آسر حاول تضليل الطريق خوفًا من أن يتبعهم أحد،
نظرت قمر بدهشة للمكان وقالت باستغراب:
- هل رائد هنا؟
قال آسر وهو يغلق السيارة:
-نفس صدمة رائد عندما وصلنا.
قالت قمر بتعب:
-حقًا أنا لا أفهم ولا أتذكر شيئًا قط، ومازلت لا أستوعب لم أرى رائد هنا بعيد عن العالم؟
أجاب آسر وهو يتجه نحو الغابة:
-ستعرفين الآن، اتبعيني.
وعلى بعد بضع كيلومترات، ترجلت ريم من السيارة بصدمة، أغمضت عينيها لتقول:
-ستكون نهايتي اليوم لا محالة.
ثم كتبت رقم بسرعة وابتلعت ريقها بصعوبة، وانتظرت الرد، الرنة الأولى، الثانية، الثالثة، ثم:
-ماذا؟
أجابت ريم بالقنبلة دفعة واحدة:
-نحن في مصيبة!
لقد جاءت قمر إلى الغابة، قريبة جدًا من مدينة طروادة،
اعلم أن لا أحد من آسر أو رائد لهم حق رؤية المدينة، لا أقلق من جانبهم، ولكن ماذا عن قمر! هي ابنة السيدة سهير!
قال القائد عمر:
-يا لكم من مجموعة حمقى،
هذه هي أخر فرصة لكِ يا ريم، فإن مرت قمر من جانب المدينة، وأظهرت المدينة المكان لها سنندم جميعًا..
أغلق عمر في وجهها الخط، فأخذت تفكر ما عليها فعله الآن، واول ما توصلت إليه أن تلحق بهم لتعلم إلى أين وجهتهم؟
.
.
.
-هل أنت متأكد أن رائد هنا؟
لم يجيب فسألت مجددًا:
-لماذا يترك بيت خالتي ويأتي إلى هنا؟
وما من رد فسألت مرة أخيرة:
-ولكن ريم أخبرتني أن رائد لا يتمنى لي الخير..
توقف آسر فجأة ظنت أنه سيدافع عن صديقه ولكنه نظر أمامه وقال لها:
-وصلنا!
نظرت قمر نظرة مطولة للمنزل وساروا خطوتين للأمام، تفقد آسر خلفه وحول المنزل جيدًا ثم فتح الباب لتدلف قمر ثم دلف وراءها.
وقفت ريم خارج المنزل للحظات لا تعلم ما عليها فعله، هل تدخل في مشهد سينيمائي وتمثل الدفاع عن صديقتها ضد قريبها التي كانت قد قالت لها مسبقًا أنه يريد الحصول على ميراثها؟
تقنعها وتأخذها قبل فوات الأوان، ومن ثم ستذهب للقائد مباشرة ومعها قمر،
ام تنتظر خروجها من المنزل وتفتعل مشاجرة ثم تسحبها معها أيضًا؟
نظرت حولها جيدًا ثم حدقت بالباب للحظات..
بينما في الداخل تقف قمر وسط المنزل لا تقوى على التقدم، شيئًا ما يحثها على المبادرة بالتقدم لرائد، ولكن عقلها يذكرها بكلام ريم، تشعر بتشتت بالغ،
من عليها تصديقه الآن؟
اقترب رائد منها خطوة، فابتعدتها هي، نظر لها باستغراب وقال وهو يحدق في عينيها:
-حمدًا لله على سلامتك يا قمر.
أومأت برأسها له فقط.
نظر آسر لرائد نظرة بمعنى أنه لا فائدة، فبادر رائد بالكلام مباشرة:
-أعلم أنك تريدين معرفة الكثير من الأشياء ولكن لا أستطيع إخبارك!
ولكن يجب أن تثقي بي يا قمر.
ثم أمسك يديها جيدًا وقال:
- انظري إلى داخل عيناي.
نظرت فأكمل:
-ثقي بي، سينتهي هذا الكابوس.
شتتت قمر عينيها من عليه عندما لاحظت انها تتأثر، فسحبت يديها وقالت:
-أي كابوس؟
لم يجيب بل أمسك يديها مجددًا وقال:
- لن أتركك لهم مرة أخرى.
ثم ضع يده الأخرى على شعرها وقال بحنان:
- ساحبك دائمًا وابدًا يا قمر رائد فقط.
قاطع كلامهم صوت اقتحام ريم للمنزل بصوتها الجهوري، وهي تصرخ وتقول في مشهد رأته قمر درامي بعض الشيء:
-لقد جئت لإنقاذك يا صديقتي!