الفصل 46

الفصل السادس والأربعون
"اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم أزح همي، وفك كربي، وارزقني صلاح الحال والبال، وارزقني طمأنينة تطيب قلبي."
مر الوقت ثقيل كالدهر، كانت الأجواء لازال يطغى عليها الحزن والألم، مغلفا بغلاف الصدمة التي كانت تمزق قلوبهم، الحقيقة كانت تضربهم بأسواط من نار، بعد معرفتها بكافة ماحدث في الماضي، وحقيقة الكذبة التي كانت تعيشها، انهارت باكية، لتتجه جدتها تأخذها بين أحضانها، والتي منذ الوهلة الأولى كان قلبها يخبرها بعاطفتها نحوها، عاطفتها لم تكذب مطلقا، ظلت تحتضنها وتربت على كتفيها، تبثها الأمان وتربت على جرحها النازف،
وكانت "فاطمة" تفق والدموع تنهمر على العذاب الذي لاقته أختها في حياتها وحتى بعد مماتها، ماالذنب الذي ارتكبته لتجني هذا العذاب، وماذنب أطفالها بما حدث! ولماذا؟!
كان الوضع مليء بالشرارات السلبية، الجميع ينتظر منه إدلاءه بما يموج في صدره، وبالأخص الحقيقة الغائبة التي لم يبصرها; بل ولم يراها سواه، لم يحد بنظراته عنها، كان يقف ويضم ساعديه لصدره بتحفز، والغضب يحتل ملامحه، رغم صدمته بمعرفة حقيقة وجود أخت له لم يكن على علم بها، لكنه في هذه اللحظة أراد الثأر لوالديه، ولإخوته، ولعائلته أجمع،
محمد: في اليوم ده كلكم عرفين حقيقة واحدة بس; وهي ان موتهم كان حادثة، بس اللي محدش يعرفه اللي انا شفته، شفته وانا لسة عيل، بس كنت فاهم وعارف الشر من الخير، شفتك وامي بتنازع وبتحاول تنقذني انا واختي، شفتك واقفة وهي مرمية على الأرض سايحة في دمها، وابويا بينازع عشان يلحقها، سمعتك وانتِ شمتانة فيها
" كانت رأسها ملقي خارج السيارة بعدما حاولت إخراج أطفالها منها، ونجحت في إخراجهم، وكانا يختبئان خلف أحد الصخور، كانت أخته غابت عن الوعي، لينظر نحو والدته ليرى امرأة تقترب منها وتجسوا على ركبتيها ، مستندة على يديها، اعتقد أنها ستساعد والدته، لكنه صدم من حديثها
سلمى: تعرفي انا مش عارفة افرح فيكي ولا اشفق عليكي، بس انتِ صعبانة عليا يا حنين، يمكن محمود لو مكنش اتجوزك مكنش ده حصل، بصي هقولك حاجة انا اتفقت مع إسلام يخلصني منك، الصراحة هو كان واقع فيكي وبيحبك، مش عارفة ليه كلهم بيحبوكي، بس هو غبي مكنش يعرف إنك معاه في العربية، بس انا لما شفتك فعلا مش فرحانة، انا زعلانة، مش عارفة اقولك ايه، اقولك اني أذيتك، ولا اتسببت في موتك ولا أخدت بنتك، هنا نظرت لها بصدمة شديدة،
حنين بمنازعة وألم، وعيون متسعة: بنتي !
نظرت لها بهدوء، وقلب فقد الرحمة، سلمى: هريحك واقولك الحقيقة قبل متموتي، انتي كمي حامل في بنتين توأم، مش واحدة...
صدمة ألجمتها حتى تناست ألامها، نظرت لها بعيون ملأه الدمع، دمع مليء بالظلم: انتِ بتقولي ايه انا معنديش غير بنت واحدة بس... انتِ بتقولي ايه.. انتِ السواد وصل بيكي لكدة
سلمى: للأسف دي أول مرة مكذبش فيها... لتسرد لها ماحدث كاملا،
ولكنها لم تصمد طويلا ووفاتها المنية، هنا حضر شريكها في جريمتها ليأخذها سريعا وغادرا عندما لمحا قدوم عربة من بعيد، وكانت عربة تحمل "حسن" و"حامد" اللذان انهارا جاثيان لجوارهما يبكيان حسرة، وندما، كان هويشاهد مايحدث بألم وخوف من مما رءاه طفلا بعمره،ليأخذ أخته ويفر هاربا من المكان
لينهي سرد ماحدث لوالديه أمام عينيه.... وهنا خيم الصمت على الجميع، ولكن الدموع كانت تنهمر بشدة من أعينهم
اقتربت منه بألم: محمد.. انتَ.. بتقول ايه! يعني انت كنت عارف كل حاجة! طبانا خلاص مبقتش عارفة حاجة!
نظر لها بحنان أخوي، وعطف; لكن كان قلبه يتمزق من عودة هذه المشاهد التي كانت تقتله كل ليلة، رغم عدم فهمه للجزء الأخير حينها; إلا أنه فهم كل الأمور
محمد: عارف ان الكل مصدوم.. بس دي كل الحقيقة اللي كنت مخبيها، حقيقة كانت بتقتلني وانا بحاول افهم ايه اللي حصل، وكمان لأني مكنتش اعرف الهانم، اللي قتلت أهلي، وخطفت أختي، مكنتش عارف هي مين، ولا عايشة فين، كنت عاجز مش عارف اعمل حاجة
ضغط سليم على كتفه بشفقة، فلم يدري كم الألم الذي كان يجثم على قلبه، ليقترب منه الجميع محاولين تقديم دعم نفسي لهم، كانت نظراتها تطوف بندم على وجوه الجميع، لقد دمرت حياتهم وهم لم يسيئوا لها مطلقا، هل أصبحت حياتهم بكل هذه البشاعة، لماذا لم تشعر وقتها ببشاعة ما فعلت!
سلمى: انا عارفة ان الأسف دلوقتي مش هينفع، ولا الندم هينفع، لكن.. انا اسفة
حسن بانفعال: اسفة على ايه.. فهميني كدة اسفة على ايه، هو انتي شايفة انك خدتي مننا حته ارض! انتي دمرتي حياتنا، قتلتي اختي وجوزها، وخطفتي بنتها، حتى حرمتيها تعرف بوجودها، انتِ إيييه

هنا لاحظ الجميع صوت بالخارج، اتجهوا نحو هذا الصوت، مان حامد يتشاجر مع شخص غريب، عرفته هي بمجرد رؤيته، اتجه حسن ومصطفى يحاولون فهم الأمور، وكانت هي تقف بخوف شديد،
كانوا يحاولون تخليصه من يده،
حسن : اهدى يا حامد في ايهاللي بيحصل
لكنه كان بعالم آخر، كان ينظر نحوه بشراسة يريد الفتك به،
حامد: ابعد يا حسن ده انا مش هسيبه إلا لو روحه طلعت، انت مش شايف ده مين وكان عاوز يعمل ايه
مصطفى: طب اهدى انت كدة هتودي نفسك في داهية يا حامد، سيبه وعرفنا عمل ايه نطلب له الشرطة
كان إسلام يحاول تخليص ذاته من يديه، لكنه لم يتركه، ليبدأ حامد حديثه: ده كان بيلف حوالين الدار ومعاه مسدس، كان عاوز يموت حد من البيت، اسيبه ازاي
صدم الجميع من ما يحدث، هل سينتهي هذا اليوم بكل مافيه; أم لازال هناك مزيدا من الصدمات، هنا لم يلاحظ الجميع في حين غفلة منهم انسل من بين يديه، وحمل مسدسه موجها إياه نحو البقعة التي تتقهقر فيها النساء مذعورات مما يحدث، لتنطلق رصاصة غادرة نحو أحداهن، لكنها انحرفت عن مسارها لتستقر في موضعها..
صرخات، صدمات، أعين منفرجة مذهولة، اتجه الرجال نحوهم بقلق وخوف شديد عليهم، فكانت الدماء تغطي ثياب "رؤى" بغزارة شديدة، انهرعت قلوب الجميع لما حدث، عندما رأوها تسقط أرضا مغشيا عليها، انخلع قلبه لرؤياها اتجه نحوها يتفحصها بقلق وخوف، ، لكنها لم تكن المصابة، فلقد تلقت " سلمى" الرصاصة بدلا منها، استغل القاتل انشغالهم وفر هاربا، حاولوا لحاقه لكنه هرب مسرعا، هنا انهارت جنى جاثية نحوها، فمهما حدث هي من ربتها; حتى وإن ظلمتها
جنى: ما...
سلمى بألم: قليها يا جنى لآخر مرة، وحاولي تسامحيني.. عارفة إني ظلمتك، وظلمتكم كلم، أذيتكم، بس سامحوني
جنى: ماما قومي وانا هسامحك، مش هزعل
سلمى بألم والدماء بدأت تخرج من جانب فمها: فات الأوان يا جنى، بس انت هتكوني في وسط أهلك، اللي مش هتلاقي أحن منهم، رغم اللي كنت بحاول ابعدك عنه، قربتي منها; عشان ده معدنك وأصلك
هنا وصلت عربة الإسعاف، لتنقلهم للمشفى

كانت يسير بالسيارة بسرعة شديدة، كان يلتهم الطريق التهاما حتى يستطيع الهرب، لكن إن هرب من الدنيا هل يستطيع الهروب من عقاب رب العباد، كان يبتسم بانتصار وانتشاء رهيب، فقد حقق مراده ولن يستطيع أحد إلقاء الاتهامات نحوه، بعد موت سلمى لن يستطيع أحد أن يلقي أصابع الاتهامات نحوه،
إسلام: كدة نقول باي باي يا سلمى، محدش هيقدر يقرب لي بنص كلمة، مهو مش بعد كل ده ويكون مكاني السجن، لا مش هقبل ادخله يوم واحد، وكان نفسي اقتلك بنتك كمان، بس يلا حظها نجت مني، أما سي زفت حامد وحياتك ليندم على انه مد ايده عليا
في وسط انتشاءه لم يلحظ السيارة التي ظهرت لم من الطريق الجانبي، كانت سيارة محملة بأسياخ الحديد الحادة، حاول تفاديها لكن لسرعته التي كان يسير بها، اصطدمت السيارة من الخلف بأسياخ الحديد التي تراشقت في السيارة وجسده وكانت الدماء تتناثر من جسده بشدة، ولميتمكن أحد من إنقاذه، وكانت نهايته في الدنيا بشعة، كيف ستكون في الآخرة!


عقب وصول سيارة الإسعاف للمشفى وكان معها "إيهاب" نظرا لوجوده في هذا الوقت، وأنه طبيب ماهر، لم يشأ أن يتركهم في مثل هذا الوقت، كان الجميع يقفون خارج الغرفة الخاصة "برؤى " للاطمئنان عليها، أما سلمى فقد نقلت للعناية وكانت حنى تقف عندها منتظرة أي خبر يطمئنها; لكن طال الوقت واضرت للذهاب للاطمئنان على توأمتها الخبيبة، التي رغم ماحدث شعرت بالفرحة لهذا الحدث، وانتمائها لعائلة رائعة طالما تمنت أن تكون جزءا منها، اقتربت من أخيها بقلق وخطىً ثقيلة قلقة من ردة فعله نحوها
جنى: أبيه محمد.. هي رؤى عاملة ايه؟!

نظر لها بحب وألم، وحزن لقلقها منه، ليجيبها بهدوء،
محمد: لسة محدش خرج يا جنى، وبعدين ليه قلقانة وخايفة وانتِ بتتكلمي معايا.. أنا اخوكي، وعيب في حقي لما أختي تقف قدامي بعد السنين دي كلها وتعرف إني اخوها وقف قدامي خايفة....
ينظر لها بعيون ترقرقت فيها الدموع، قابلته عيناها المليئة بالحزن والعذاب، ليكمل حديثه.. وهو يفتح زراعيه..
وعيب في حقي لما متترميش في حضني يا جنى..
تنظر له بألم وهي لازال الخوف يسيطر عليها، خوفا يخبرها أن يكون هذا وهم، وليس حقيقيا، ماذا سيحدث لو كان كل هذا كذبا
جنى: خايفة يكون ده كله كذب، خايفة مكنش أختك; رغم ان دي أمنية حياتي، نفسي تكون اخويا واتحامي فيك; بس خايفة
لازال يفتح زراعيه نحوها ودموعه انهمرت رغما عنه،
محمد: وانا اهه بقولك متخفيش، انا اخوكي وحماكي، وسندك، ارمي نفسك في حضني ومتخافيش، انتِ أختي وانا متأكد
لحظات من لانهيار، ولكنها تحررت وتركت الخوف وارتمت بين أحضان أخيها، حضن الأمان الذي لم يزرها طوال سنوات حياتها، حضن تمنت أن تظل فيها طوال حياتها، كانت دموعهم تنهمر ألما وشوقا، وانهمرت دموع الجميع لهذا المشهد، قطع هذا المشهد خروج الطبيب من الغرفة التي تقبع فيها أختهم"رؤى"
اتجه سليم نحوه بقلق زائد، وفصل أخويها الحضن الذي يجمعهم،
محمد: طمني يادكتور رؤى عاملة ايه!
نظر لهم الطبيب بنظرات عملية : اطمنوا هي كويسة، عندها صدمة عصبية شديدة شوية، مقدرتش تستحملها عشان كدة أغمى عليها، بس هي حاليا كويسة هتفوق كمان شوية
محمد : يعني مفيش أي خطورة عليها يا دكتور؟
الطبيب: لا اطمنوا هي هتفوق وهتكون كويسة، اطمنوا
وتركهم وغادر من أمامهم حتى يستطيعوا التقاط أنفاسهم براحة، اقترب منهم الجميع في مؤازة،
مصطفى: الحمد لله كدة اطمنا وربنا نجدنا، رؤى كويسة فاضل حاجة واحدة عشان نتصرف صح
نظر له محمد بهدوء وفهم مايريده، ليبادر سليم بسؤاله
سليم: تقصد ايه يا بابا! وخطوة ايه اللي حضرتك بتتكلم عليها!
نظر مصطفى للجميع بهدوء وقرر إنهاء هذا الأمر عاجلا حتى ينتهي هذا الأمر
مصطفى: لازم نتأكد من كل الكلام اللي اتقال، هنعمل تحليل "dna" بين رؤى وجنى، ومحمد كمان عشان لو ده ثبت بنتنا تتكتب بإسم ابوها وامها الحقيقيين، وتقدر تعيش وسط أهلها براحة
نظر له حسن بتأييد لحديثه،
حسن: عندك حق يا مصطفى، وكمان وجود الدكتور إيهاب ومدام هدى، هيكون في صالحنا وخصوصا بالأوراق اللي معانا
نظر له سليم بهدوء: فعلا عندكم حق لاز....
قطع حديثهم مجيء الطبيب المتابع لحالة "سلمى" تركض جن نحوه بقلق
جنى: دكتور ماما عاملة ايه، طمني الله يخليك
نظر لها الطبيب بأسف: انا متأسف الحالة خطيرة جدا، والإصابة حرجة ادعولها
صدمة كبيرة سيطرت عليها، لكن رغم ماحدث فهي من قامت بتربيتها حتى وإن كانت أجرمت في حقها
جنى: يعني ايه يادكتور هي ...
الطبيب: للأسف الحالة جات متأخرة، وبعدين اخنا بلغنا الشرطة لأن دي حالة شروع في قتل، ولازم تدخل الشرطة، عن إذنكم
تركهم وغادر، اقتربت منها تضمها إليها بحنان وعاطفة، تمسكت بأحضانها الحنونة كما الغريق يتمسك بقشة ضعيفة
فاطمة: معلش يا حبيبتي احنا معاكي وعمرك مهتبعدي عننا تاني حتى لو ايه اللي حصل
تمسكت بها باستنجاد: متسيبينيش يا خالتوا، أنا مش هقدر استحمل والله
فاطمة بدموع لحالتها: والله مهسيبك يا حبيبتي، اطمني


الفصل إهداء للجميلة Deda Eldeb. شكرا لسؤالك عليا والدفعة اللي ادتيها ليا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي