الفصل الثالث

بعد محاولات عديدة، والكثير من التوصيات، تم قبول زيارة رائد لريم في المستشفى!
وكان ذلك بعد تاكيد الطبيب أنها بحاجة لمن تحبهم بجانبها، وبعد محاولة ريم وآسر وحتى ثلاث من أصدقاءها القدامى، لم ينجح الأمر ولم تستيقظ!

كان رائد يأمل خيرًا ويشعر أنها ستستيقظ معه، ويُحل كل شيء، غاص في دوامة أفكاره بينما يسير مع رجلان من الشرطة قابل في الطرقة ريم وآسر، وثلاث فتيات يعرفهم جيدًا سارة، مها، وحبيبة صديقات قمر من مرحلة الطفولة أيضًا، ظن أن آسر من استدعاهم.
قطع حبل أفكاره عندما بادر آسر بالكلام، وسأل رائد باهتمام:
-كيف حالك يا صديقي؟
اجاب رائد بهدوء ونظره على قمر من خلال الزجاج الفاصل:
-بخير.

وضع آسر يده على كتف رائد وأقترب منه وهمس:
-لا تقلق، لم اتركها وحدها ولو لحظة واحدة.
إذا كنت في احتياج لا تتردد في إخباري، حسنًا؟

أومأ برأسه ودلف إلى الحجرة ودخل معه الشرطيان، تمعن النظر في وجها الشاحب، وتألم قلبه كثيرًا عليها، كيف سمح أن يوصولها لهذه الحالة؟
تنام وكأنها مع الأموات، اقترب أكثر حتى امسك يديها واغمض عينيه بالم لتتساقط دموعه على يديها، مسح دموعه سريعًا وقام بتقبيل يدها وقال بتأثر:
-استيقظي يا قمر، أرجوكِ.

ثم أكمل:
-ليس لي غيرك!
أنا وحيد جدًا وأشعر بالغربة بدونك، صدقيني لن تكن الدنيا دنيا لولاكِ، أنتِ سبب الخير فيها، بامكانك العودة أنا أثق بك،
أثق جيدًا أنك تشعرين بوجودي الآن،
ألا يمكن أن تعطينا فرصة؟
فرصة واحدة فقط؛ لنعيد ذكرياتنا، لأعوض كل أيامك السيئة التي عشتها ولم أكن معك بها،
هيا قمر هيا!
هذه فرصتنا الأخيرة، إذ لم تستيقظي الآن سينتهي كل شيء!


ليفاجئ بالشرطي يقترب ويقول له بصرامة:
-لقد انتهى الوقت.

امتلئت عينا رائد بالدموع وسمح لنفسه ليضعف لأول مرة وقال في توسل:
-هيا قمر هيا، أرجوك أتركني معاها خمس دقائق فقط، أنا واثق أنها ستصبح بخير.

ولكن بدأ الشرطي بأخذه، كبل يده مرة أخرى وحاولا أن يخرجوه للخارج في مشهد مؤثر واقترب آسر وريم والثلاث فتيات يشاهدون رائد وهو يحارب من أجل البقاء بجانبها لمدة دقائق فقط.
بكى رائد كثيرًا كالطفل الصغير الذي أخذت منه والدته لعبته! ولم يأبه بأحد توسل كثيرًا ليتركوه بينما هم يجرونه جرًا وعند وصولهم للباب فجأة! سمعوا صوت من الخلف يقول:
- أااامييي.

استدار رائد فجأة وابتلعت ريم ريقها عندما رأت قمر تحرك يديها، وفي لحظات كان جيمعهم في الغرفة، ورائد بالقرب من قمر، يناديها ويقبل يديها مرة تلو الأخرى:
-الحمدلله، الحمدلله، أنتِ بخير؟

أغمضت عينيها مرة أخرى ثم فتحتها ببطء شديد لترى بجانبها رائد وخلفه رجلان شرطى وورائهم آسر، ريم، سارة، مها، وحبيبة، فهمست مرة أخرى:
-امي؟ أين امي.

ازدف رائد ريقه ونظر لآسر نظرة ذات معنى، فخرج آسر يتسدعي الطبيب، ثم وجه نظره لقمر، وأخذ يلمس شعرها بحنان ليقول:
-والدتك ليست هنا يا قمر، لا يوجد غيري وغيرك الآن؟

فقالت:
-لم أفهم!
كيف غيري وغيرك؟
أم...اااااه

وقتها تدخلت ريم وتقدمت بعض خطوات وقالت لقمر بعد أن رفعت حاجبيها لرائد:
-قمر، هل انت بخير؟
ما الذي يؤلمك؟

قالت وهي تمسك رأسها:
-أشعر بصداع حاد، وكأن هناك من يضغط رأسي.

وقتها جاء الطبيب وأمر بخروج الجميع إلى الخارج، ليفحصها بهدوء، خرجوا للخارج والجميع ينتظرون بتوتر بالغ،
فريم تبصق على حظها الذي جعل ريم تستيقظ قبل إتمام المهمة والان أصبح التخلص منها صعب في وجود جريمة قتل رائد.

ورائد قلق كثيرًا عليها ولا يعلم لم لا يشعر بالاطمئنان حتى بعد استيقاظها!

حتى أصدقائها الثلاثة لا يعلمون ما يحدث ولكنهم غير مطمئنين.

وآسر ينظر بين ريم ورائد، ولا يصدق أن هناك واحدًا منهم خائن!

خرج الطبيب فجأة ليقطع عليهم حبل أفكارهم، ويقول أين أقراب المريضة؟

ليتقدم رائد وريم في ذات اللحظة ثم ينظرون إلى بعضهم في نظرة تحدي:
-انا يا حضرة الطبيب.

ثم ينظر رائد لها بغضب ويقول:
- أنا ابن خالتها، ما وضعها؟

بتقول ريم في غضب:
-كاذب، هذا قتلها أمامي يا طبيب وحاول قتلي أيضًا.

ليقول الطبيب في صوت حاد:
-لا أريد إزعاج!
-أيًا يكن قريبها، قمر في حالة حرجة جدًا لقد أصيبت بفقدان ذاكرة مؤقت.

ثم أكمل:
-أين هي والدتها؟
تسأل عنها باستمرار

لتقول ريم بابتسامة لم تستطع منعها:
-توفت والدتها من فترة.

وجه الطبيب نظره لرائد الذي مازال مصدومًا ولا يعلم لم تعانده الحياة دومًا، وقال:
-الآن يجب أن نعتني بها جيدًا ونكون جانبها دائمًا، ولا نستطيع إخبارها بوفاة والدتها مباشرة، سنحاول التمهيد، اتفقنا؟


شعر رائد بالدوار وكان على وشك السقوط، أمسك به آسر وجلس على اقرب كرسي، وقال بتشوش وهو يحادث نفسه:
-كيف!
أنا لم أطعنها
كيف يستطيع الإنسان طعن نفسه؟
قمر هي نفسي، حتى أني لا أستطيع تركها وحدها!

ثم نظر للطبيب ووقف فجأة:
-قلت أنه مؤقت؟ كم الوقت؟
-متى سينتهي كل هذا! أخبرني

أجابه الطبيب بهدوء:
- اخفض صوتك اولًا.
ثانيًا هذا يتوقف على نفسية المريضة والمكان الذي ستتواجد فيه.

ذهب، وكان على رائد الذهاب أيضًا، لم يقاوم هذه المرة، وسار بهدوء معهم وتبادل النظرات هو وآسر بدون أي كلمة.

تحدث آسر مع رجال الأمن أمام باب غرفة قمر وطلب منهم منع الزيارات لحين عودته، ثم لحق برائد مرة أخرى.

.
.
.
وتحدث مع شخص ما، ولمح سيارة الشرطة وهي تتحرك من أمام المبنى وتتحرك فقال بصوت عال قليلًا ويحرك يديه كعلامة:
-الآن، تحرك.

فأتى شخص بعربة غريبة الاطوار فركبها آسر بسرعة ولحق برائد ثم فتح هاتفه مرة أخرى، وكتب رقم بسرعة وقام بالاتصال، وقال:
-جاهز؟

أتاه الصوت الاخر:
-في أتم الاستعداد، ننتظر سيارة الشرطة عند أخر الطريق بالقرب من جسر شابو.

-فقال له:
-حسنًا وأنا سأنتظر من الطريق المقابل له.

.
.
.
-سأنادي على الطبيب حالًا، ماذا يعني غير مسموح لي؟

ليقول الشرطي لريم للمرة الأخيرة بنفاذ صبر:
-هذه التعليمات سيدتي، أرجوكِ لا نريد إزعاج للمريضة.

لتقول بصوت عال:
-أي إزعاج هذا، أنا ريم صديقة طفولتها، أريد أن أطمئن عليها فقط.

ما من رد عليها، فقالت بترجي:
-حسنًا يمكنك الدخول معي، خمس دقايق فقط، اتفقنا؟

فقال الشرطي بملل لرفيقه:
-ابق هنا لا تتحرك.

ثم وجه نظره لريم وأشار بإصبعه:
-ولكن خمس دقائق فقط لا غير!

قالت بابتسامة:
-حسنًا.

فتقدمت سارة وقالت:
-ونحن!

فأجاب الشرطي:
-عند خروج الأستاذة ريم.

دلفت ريم بخطوات واثقة وابتسامة مشرقة واقتربت من قمر وهي في استعداد لتمثيلها الحنان:
-قمر أنتِ بخير الان؟
اجابت قمر بسكون:
-نعم.

ثم سألت:
-أشعر بأني لا أتذكر شيئًا، راسي مشوشًا كثيرًا.

اقتربت ريم وجلست بجانبها ثم أمسكت بيديها وقالت:
-قمر حبيبتي، ساخبرك كل شيء ولكن ليس الآن، فإذا أخبرتك ستتشوش راسك أكثر.

ثم أردفت:
-ولكن كل ما أستطيع إخبارك الآن أن لديك فقدان ذاكرة مؤقت، ولكن ستتذكرين سريعًا وستكونين بخير.


تنهدت قمر ثم قالت:
-أتمنى ذلك.
.
.
.
يجلس رائد داخل السيارة، يديه مكبلة، نظر بجانبه ليجد الشرطي الاول ينظر امامه باستقامة والثاني يجلس بجانب السائق، دعى داخله أن يستطيع آسر أن يحل الأمر وحده.

نظر للخارج من الزجاج وجد أن نهاية الطريق أقترب، ولمح الجسر من بعيد، فابتسم وهمس:
-اقتربنا.

ثم بدأ بالعد واحد، اثنان، ثلاثة.
وقفت السيارة فجأة بسبب شاحنة كبيرة قطعت عليهم الطريق، ظن الشرطي أن هناك حادث بسبب الدخان الصاعد من الشاحنة والسائق مستلقي بالداخل، فنادى على الشرطي الآخر، وبقي فقط رائد والشرطي المسئول عنه في الخلف.

اقترب الشرطيان من الشاحنة ببطء وهم يتبادلا النظرات، ولكن فجأة رُمي أمامهم كره غريبة الشكل فقفوا ينظرون لها جيدًا، وتشجع واحدًا منهم للاقتراب لاكتشاف ماهيتها.
ولكن فجأة جاء شخصان من خلفهم ووضعوا شيئًا على فم كل منهم، وخلال ثوان كانوا على الأرض فاقدي الوعي.


كان الشخصيات مقنعان، فلا يتبين شيء من وجهما قط،
أختبئوا بجانب الشاحنة لمدة لا تزيد عن الخمس دقائق، فعندما تاخروا اضطر الشرطي المسئول عن رائد أن يذهب لتفقدهم، سار خطوات فقط ليجد رفيقاه مستلقيان على الأرض وشاحنة أمامهما يتصاعد منها الدخان!
صرخ وركد لهم وأخذ يطلب المساعدة منهم، فاقترب منه أحد الرجال المقنعين وكان نصيبه مثل أصدقائه.



صفر أحد الرجال المقنعين، فخرج ثلاث من أصدقائه مقنعين مثله واتجهوا نحو رائد خلق السيارة ليجدوها فارغة!

فقام أحدهم بالاتصال بآسر ليسمع صوت الهاتف من خلفه، ويلتفتوا جميعًا ليجدوا آسر ورائد بجانب بعضهم
فهتف آسر:
-هيا! علينا الذهاب من هنا باسرع وقت!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي