الفصل الثاني

ضوء خافت وسكون تام ينتشر في المكان عقله لا يستوعب أي شيء أبدًا،
متى أخذوا منه قمر لوضعها في العناية المركزية وحياتها في خطر بينما هو هنا داخل تلك الزنزانة لا حول له ولا قوة!
ينتظر أن تمر الساعات باسرع وقت ليعرض على النيابة ويحاول الدفاع عن نفسه، لا يعلم كيف لعبتها ريم ولكن مع الأسف خدعتهم جميعًا بما فيهم الشرطة، والان لا يوجد حل إلا بمعافاة قمر، اللعنة!
حتى قمر لا يعرف عنها أي شيء، لا أحد هنا يريد مساعدته، يشعر بنار تشتعل بصدره لعدم تواجده بجانبها، إلى متى ستجبره وتعانده الحياة والظروف وتبقيه بعيدًا عنها يا ترى؟

وبدأ في سؤال نفسه عدة أسئلة واحدة تلو الأخرى:
-أين ريم يا ترى؟
-حتى لو تعافت ريم، لا يمكن قط أن تستطيع الوقوف على قدمها حاليًا
-ماذا لو لم تأخذ التمثال؟
-هل يا ترى حصلت الشرطة على هذا التمثال؟
-وإن لم يكن التمثال معهم، من أخذه إذن؟
-يا تُرى هل قمر بخير؟

ثم وقف وتقدم بضع خطوات وركل حديد الزنزانة بقدمه بكل ما أوتي من قوة ونظر في اللاشيء يحاول التفكير في حل بأسرع ما يمكن.


ضجة في المستشفى وأصوات كثيرة تتداخل ببعضها، يقولون أن الحالة التي جائت مطعونة بسكين توقف قلبها!
تنظر ريم ببلاهة الممرضة وهي تتركها وتركض لتنادي على الطبيب، وعندما تعرف السبب تبتسم ابتسامة خفيفة وتقول:
-دقائق واسمع خبر موتك يا قمر وسأنجو أخيرًا..



خطوات بطيئة سمعتها ريم تقترب منها، بينما يبتعد صوت الضجة بعيدًا، ازدرقت ريقها بتوتر بالتزامن مع دخول شخص -ذا ملابس سوداء يرتدي قبعة- من باب الغرفة، لتأخذ ريم نفسًا عميقًا وتقول:
-هذا أنت! لقد ارتعبت.

نظر لها نظرة ذات معنى واقترب ببطء ليجلس أمامها، وقال في هدوء:
-أنجزتي عملًا جميلًا، هنيًا لك.

-شكرًا لك أيها القائد، أنا أيضًا مسرورة لتخلصنا من ريم، وإدخال رائد السجن.

نظر لأركان الغرفة وقال بجدية واضحة:
-لم ننتهي بعد، أنتظر مكالمة هاتفية لنتأكد من هلاك قمر،
بينما رائد نحتاج محاميًا ليقف أمامه ويدافع عنك وعن قمر، فهو الآن متهم في قضية قتل، وقضية أخرى وهي الشروع في قتلك.

قالت ريم وهي تمسك بأحد خصلات شعرها:
-ولكن يا حسن..أحم أسفة أقصد يا قائد،
ماذا عن التمثال؟
هل هو الآن مع الشرطة؟ هل استطاعت الوصول إليه؟


ابتسم بخباثة، وقال:
-لا تقلقي أيتها الفتاة الشقراء فنحن لنا رجال في كل مكان، والتمثال معنا، نحن لا نفرط فيه أبدًا.

سمعوا صوت قادم من الخارج، فوقف حسن بسرعة وفي خلاص ثانيتين كان داخل الحمام، لتدلف الممرضة وهي مبتسمة وتقول لريم:
-لقد أنقدنا صديقتك!
إنها معجزة، الحمدلله هي بخير..

ثم عبست ملامحها وقالت:
-ولكن مع الأسف دخلت في غيبوبة، ويمكن أن تستيقظ بعد مدة طويلة،
كله بيد الله.

نظرت ريم تجاه المرحاض بقلق وقالت بصدمة:
-ماذا!
-أتمزحين؟

اقتربت الممرضة خطوات قليلة:
-أسفة يا صغيرتي، أنا أيضًا انهدشت من دخولها الغيبوبة ولكن أظن أن تم ضربها على دماغها بعنف قليلًا.

فقالت ريم بهمس:
-ياليتها كانت أعنف.

غيرت الممرضة مكان جرح ريم وتمنت لها الشفاء ثم خرجت.
خرج حسن فجأة، وقال من بين أسنانه:
-كيف يعقل هذا؟ سيجن القائد عمر عندما يعلم.

ثم أكمل وهو ينظر امامه بشرود:
-يجب أن نتخلص منها...ونهائيًا.


مرت عليه الساعات كالسنين، كان ينتظر حلول الصباح ليحاول التخلص من هذا المكان، يقلق كثيرًا على قمر وقلبه يحترق، فكر كثيرًا من له في الخارج يستطيع أن يثق به ليهتم بقمر وهو في الداخل ولم يجد سوى آسر.

حل الصباح وحل معه الابتسامة على البعض، والحزن على البعض الآخر.
سيتم عرض رائد على النيابة وكان قد طلب مكالمة هاتفية واحدة وتحدث مع آسر ليأتي.

أخذوه للشرطي ليأخذوا إفادته، فجلس وهو متوتر
اقترب منه الشرطي أحمد،
أحمد عبد الحليم غني عن التعريف، جيد جدًا في عمله، يقال أنه يعرف المجرم من نظرة عينيه!
ومعه محمد خواريزمي، يهتم معه بهذه القضية، وسيكون موجود في الاستجواب.

بدأ أحمد بالدوران حوله وقال مباشرة:
-لماذا قتلتهم؟
قال رائد:
- أين قمر؟

ضرب محمد بيديه على الطاولة واقترب برأسه واردف:
-لا تجاوب على سؤاله بسؤال!

تنفس رائد بعمق وقال:
-حسنًا، الإجابة تكمن في قمر.

قال أحمد:
-كيف؟

-أنا لم أفعل شيئًا، اعترف أنني من قمت بطعن ريم في قدمها ولكنه كان حادثًا، كنت أحاول حماية قمر فقط!

قال محمد بسخرية:
-ونحن سنصدقك؟
قال رائد بتحدي:
-لذلك أسأل هل قمر بخير؟ أين هي؟
فهي الشاهدة الوحيدة على هذا.

قال أحمد بهدوء وحكمة:
-قمر في غيبوبة، لكنها بخير

وقف رائد من مكانه:
-ماذا! عليّ الخروج من هنا أرجوكم يجب أن أكون معها، من المحتمل قتلها...سيفعلون ما بوسعهم لكي تموت ويتم سجني هنا.

ليردف أحمد:
-من هم؟

قال بمراوغة:
-لا أعلم، ريم ليست صديقتها ولا تتمنى لها الخير كما يبدو عليها.

قال محمد:
-ولكن ما السبب الذي يجعل ريم تقتل صديقتها وتتخلص من قريبها؟

واردف بثقة:
-لا أحد سيستفيد من قتل قمر غيرك، تموت قمر وتاخذ أنت الميراث!

قال رائد بتشكك:
-أي ميراث؟
فقال أحمد:
-قصرهم! ألا تدري كم ثمن هذا القصر الآن!

ارتاح رائد للحظة، لانه فكر لوهلة أنه يقصد التمثال!
وبما إنهم لم يذكروه هذا يعني أن التمثال مازال في أيدي العصابة.

قال رائد بتعب:
-اتركوني لارى قمر لمرة واحدة فقط، يجب أن احميها، لا يمكنني خسارتها قط..

نظر أحمد لمحمد نظرة سريعة ووقفوا معًا وخرج كل منهم على حد.
تم عرض رائد على النيابة،
وكما توقع سيسجن لأربع أيام على ذمة التحقيق بتهمة الشروع في القتل.

بينما يداه مكبلتان ويسير مع الشرطة قابل آسر ووقف أمامه ليقول له بترجي:
-آسر! قمر في أمانتك.

قال له بتفهم:
-بالطبع، قمر اختي ولا أتركها بمفردها ولكن ماذا حدث ولماذا أنت هنا؟

أردف رائد على عجل:
-لا وقت امامي، ولكن لا تجعل ريم تقترب منها أبدًا يا آسر، لا تجعل أحد يزورها!

ثم أخذوه من أمامه ليعود بسجنه من جديد، بينما آسر يقف مندهشًا لما يحدث.
آسر كان يبلغ من العمر الخامسة والعشرون أي أنه يكبر قمر بسنتين فقط، ويصغر رائد بعام واحد.
طويل المقام شعره ناعم صاحب عيون بندقية، عاش طفولته معهم في نفس المكان قبل أن تتحسن أوضاع أهل قمر المادية وينتقلون للعيش في مكان راق فجاة.

ذهب آسر مباشرة للمستشفى وأكتشف أنهم وضعوا رجال من الأمن على غرفة قمر ومنعوا الدخول لها!
فقال في نفسه:
-يبدو أنهم أخذوا بكلام رائد! جميل.

نظر لقمر من الخارج وهي مستلقية لا علم لها بما يجري،
مر رائد على المغفرة قبل وصوله للمستشفى وعرف معلومات عن القضية ولا يستوعب ما حدث، لا يمكن لرائد أن يكون قد فعلها فهو أكثر من يعلم حب رائد لقمر حتى وإن كان غير ملحوظ.

مرت الاربع أيام ولا يوجد أي تغير!
آسر كما هو يأتي كل يوم ليساعد قمر من خارج الغرفة ولا يوجد بيده شيء ليفعله، رائد بين أربع حيطان، القلق ينهشه، ولا يعلم كيف سيثبت برائته.
بينما ريم وحسن يبحثون عن طريقة ما لقتل قمر، فإن فاقت قمر تنتهي ريم!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي