سر الختمة الحلقة الثالثة

رمى عزيز باشا المستند إلى سيارته ما تبقى من السيجار ، وداسه بقدمه يطفأه... نظر إلى قدمه وهو يدهس السيجار..، فإذا به يجد حذائه قد إتسخ بعض الشيء .. جلب منديل قماش من جيبه وإنحنى يمسح حذائه فإذا بخياله يأخذه الي دوار شيخ خفر درنكة "طوسون".

..............................................

إبراشي على ركبتيه يجلس تحت أقدام طوسون الجالس على كنبة حافي الأقدام متكئا على أحد أقدامه.. وينزل الأخرى وقد شرع يدخن الجوزة البلدي

إبراشي:
_ مش عارف أجولهالك إزاي بس يا چناب الشيخ ... عنينا إللي وسط رچالة محمود خبرني إنه خد كل اللفلوس من الخزنة وعطاها كُلتها للرچالة ووعدهم إنه ...إنه ....

"إبراشي يتهته (يتلعثم) في الكلام وهو متوتر"

طوسون (بترقب):
_هتنونو كتير إياك .. إنه إيه ياوله ماتنطُج .

_ إنه يخلص على چنابك ..ولما يبجى الكبير، هيوريهم نعيم عمرهم مكانوا يحلموا بيِه.

سحب طوسون نفس من الجوزة وسرح في كلمات إبراشي ..ثم ركله بقدمه ليسقط إبراشي جالساً

طوسون( بجنون):
_ فز ..غور.

( زحف إبراشي للوراء ثم نهض ولاذ بالفرار)

طوسون(صارخاً):
_نسيم .. يا نسيم.

يدخل نسيم مسرعا وبخوف:
_أوامرك يا بوي.

........................................
أخرج عزيز سجادة صلاة من سيارته..، وإفترش الأرض بجوار ساقية ...نظر إليها وهى تدور ... فدارت الذكريات معها إلى أرض طوسون الزراعية...
محمود منصور، وإبنه محمد يجلسون على حصيرة وسط أرض طينية غير مزروعة وأمامهم طوسون .

طوسون بإستفزازه وبميوعته المعهودة:

_بس إللي وصلني جُليل يا واد عمي..، أني خدت حسبتي من الغلة.. لكن ماخدتش حجي فالنجدية.

محمود منصور (بثقة):

_ داه حجي يا طوسون وحج رچالتي... مش چباية عليا.. وأفتكَر إني طلبتو منيك بلساني جبل سابج..، وإنته إللي ركَبت أعلى ما فخيلك.

_ ومن ميتى وإنت إللي بتجسم يا سر الختمة.

محمود( بتحدي مستفز):

_من إهنه وطالع ياشيخنا.

" أخذ يلعب محمود في شواربه"

طوسون ( وهو ينظر للطفل محمد سر الختمة):

_ ميصحش الحديت جِدام العيال يا محموُد ... روِح ولدك علشان نتفاهَم الولِد لساته صغار على الكلام دهون.

محمود لمحمد:

_ يالا يا واد يا محِمد هِم عالبيت ....وجول لأمك تحضرلي الوكل على ماچي .. يلا بسرعة هِم.

محمد خرج من أرض طوسون إلي أرض سر الختمة المجاورة لها .. وأخذ يبتعد حتى إختفى من أمام أعينهم ... وفي طريقة قام محمد يضرب النخل ليسقط البلح في مهارة بالغة ، ثم قام سعيداً يمرح ويدور حول نفسة كصوفي التنورة


طوسون (بطيبة وخبث مجتمعين):

_ يا محموُد إحنا طول عمرنا إخوات وچيران ... الأرض فالأرض من أيام لچدود .. على كل حال يا محموُد أني هعملك إللي تجول عليه ، ويرضيك إنت ورچالتك ... إنته طول عمرك أخ ودراع يعتمد عليه.

"يدخل عليهم نسيم وهو يلهث":

_يابوي يابوي حوش يابوي.

_ خبر أيه يا واد عجربة لدعِتك؟

_ فحل الچاموس جَلَع الوتد .

طوسون غاضبا :

_ منا جولتِلك ألف مرة يا وِلد لِكلاب إللي يدُج الوتد حد من الغُفرة ، وملكش صالح إنت بالبهايم .... ووينه زفت الطين إبراشي هو التاني .....

إلتفت طوسون لمحمود:

_ تعالى معاي يا سر الختمة نجرط عالوتد .

ذهبوا إلي جوار ساقية على الحدود بين أرض طوسون ، وأرض عائلة سر الختمة ... يلمحهم محمد فيخفي نفسه وراء النخلة في قلق أن يراه أبوه.

هناك كانت جاموسة مربوطة بحبل وفي أخر الحبل يتدلى وتد قد خرج من الأرض ... شعر محمود بالعطش الشديد ، فنزل واضعاً فاه على الأرض يرتشف من مكان حافر الجاموسة !!! ، فهي كانت المياه الوحيدة الجيدة الصافية في تلك الأرض المروية حديثاً !!!
ثم قام محمود ساحباً البهيمة حيث مكانها بجوار الساقية ، هنا أشار له طوسون أن يجلس أرضاً مرة أخرى لكي يمسك الوتد .

طوسون:
_إمسَك الوتد يا محموُد..

طوسون لنسيم :

_ وأنت يا واد يانسيم ناوِلني الفاس.

محمود جلس على ركبتيه ... يمسك الوتد بكلتا يديه ويثبته على الأرض بقوة ..

نسيم يأتي بالفأس ويعطيه لأبيه يضرب طوسون ضربة والثانية ..
يلتفت الطفل محمد على صوت ضربات الفأس ويراقبهم ...
عين محمود تتابع الدق ، ونسيم يفتح فاه في إبتسامة غل كمن سينقض على فريسة ليأكلها ...

أخذ طوسون يتصبب عرقاً وقطرات العرق تسقط منه على الأرض في بطئ ، بينما صوت الفأس على الوتد كصوت الرعد في القوة..
يهوي طوسون بالفأس على رأس محمود فيرديه قتيلا ..، ويسقط على وجهه ... يركله طوسون بقدمه في وجهه فيجعله على ظهره ليتأكد أنه قد مات ....محمد يتابع في رعب وصدمة واضعاً يده على فاه يكتم صرخاته ..
يمسح طوسون أثار الدم من على الفأس في ملابس محمود وهو مازال واقفاً ومنحنياً بعض الشيء .

طوسون لجثة محمود :
_ على چهنم عِدل يا وِلد الحرام.

.................................................

عزيز باشا جالساً على الأرض يسئل نفسه لما كل الصراع على هذه الفانية..، لكي تعاوده الذكريات من جديد وتأخُذه إلى ...


(منزل عائلة سر الختمة + عزاء محمود سر الختمة)
الطفل محمد داخل المنزل يجلس بجانب المصطبة على الأرض ..، ويخفي وجهه بين يديه ، واضعاً كوعيه فوق ركبتيه ويبكي بنحيب...فضة هناك أيضا جامده والنساء يبكون ويولون على القتيل ....

قامت أحد النساء تصرخ فنهرتها فضة بعنف:

_ إخرسي ياللي يچيني خبرك .. معوزاش مرة فيكُم تُصرخ ، ولا تعزيني.

نظرت لإبنها ثم قالت :

_إلا لما ولَدي يچيب حج أبوه.

خارج المنزل كان الشيخ منصور يأخذ عزاء ولده وهو يمد يده فقط للناس مصدوم يردد صيغة العزاء دون توقف شارداً :

_ "إنا لله وانا اليه راجعون".

طوسون أيضاً كان هناك جالساً في العزاء يتناول القهوة..، وهو يصطنع التأثر والحزن ... يستمع القرآن ويهز رأسه في خشوع .. إبراشي وخفير أخر يقفون بجانبه وينظرون في خبث للشيخ منصور المصدوم .



...........................................

في منزل سر الختمة (بعد العزاء)

أخذ منصور ينظر لفضة ومحمد بأسي ..، بينما كانت فضة تمسك بإبنها من أكتافه..، وتنظر في عينه .. وقد عصبت رأسها بغطاء أسود (طرحة) ...،و خلف فضة صورة زوجها محمود على الحائط وعليها الشارة السوداء .. "شارةُ الحِداد".

فضة لمحمد:
_ إسمعني كويس يا محِمد .. أني عاوزاك راچل يامِحمد .. زي أبوك ..

عاوزاك متخافش من مخلوج على الأرض واصل ... عاوزاك شَديد أشد نفر في درنكة چملة ... عاوزاك تاخد بتارك من طوسون وِلد الچبانة ومش منيه بس من ناسه كِلَتهم خابر ولا لااه.

"تهزه بعنف وهي تقول خابر ولا لااه"


محمد مفزوعا:

_خابر يا ماى خابر.

الشيخ منصور (بحزن):

_بزيداكى يا فضة إتجي الله في الوِلد .. دا لساته صغار .

فضة (بعصبية وقد جحظت عيونها وإنطلق منها الشرر ):

_ أني ولَدي معادش صغير .. مافهش حاچة سمها صغير بعد دلوق .

_ إتجي الله يا فضة وفوضيله أمرك ومتنسيش راچلك ... راچلك إتجتل قبل مايتوب للي خلجه .

فضة تدخل في نوبة صراخ وهي تلطم وجهها وتحمل من الأرض التراب وتضعه على رأسها ... ثم قامت تشق عباءتها.. في حين إنخلع محمد من المنظر وذهب يحتمي خلف جده وهو ينظر إليها ويبكي في صرعة.

_يانارك يا فضة .. يامرار أيامك الطين أاااااه أاااااااااه عاوزني أسيب تاري
وتار إبني ...أااه .. أبوس رچلك تسيبني لحالي... تسيبني لحالي ..تسيبني لحالي .

أخذت فضة تلطُم خديها بعنف وهي تقول (تسيبني لحالي ) والشيخ منصور يَدمع ، وعيناه أصبحت بلون الدماء حزنا ... كان محمد يبكي بنحيب أكثر وهو مرعوب ويتأوه أثناء البكاء من الرعب .. ينهض منصور ويحاول مساعدة فضة على النهوض:

_ هتضيعي ولدِك ..، ونارك هتِحرَجه يا فضة وهتِحرَجنا كُلِتنا .. إعجلي .. لينا رب .. أمني بالله يا شيخة .. أمني بالله .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي