الفصل 37

ثم تركها وخرج من المكتب بل من الشركة بأكملها وأخذ يبحث عن جين ولكن أخبره الحرس أنها استقلت سيارة أجرة ، فأخبرهم أن يغلقوا الشركة فور خروج تالة ، ثم استقل سيارته ليغادر متجه نحو منزله


دلفت إلى الغرفة وجلست على الفراش تبكي على حالها بشهقات عالية ثم فتح درج المنضدة المجاورة للفراش وأخذت المجلة ، وأخذت تنظر إلى صورتها التي على الغلاف ، وحسست على ابتسامتها التي كانت تجعلها أكثر جمالاً ، ثم فتحت صحفة أخرى لترى صورتها ثم حركت رأسها بالنفي وهي تقول بألم :
-لم أعد كما كنت .. فتاة صغيرة يسكن الحزن قلبها
رن هاتفها فقامت بأخذه من الحقيبة ورأت اتصال من والدتها ، فمسحت دموعها وفتحت المكالمة لتستمع إلى صوت والدتها الحزين و الممزوج بالخوف والقلق :
-جين والدك مريض ويريد أن يراك
اتسعت عيناها بنبضات من الخوف وقالت :
-ماذا ؟! .. حسنا سآتي على الفور
ثم أنهت معها المكالمة وقامت بوضع الأمتعة داخل حقيبتها ، ثم وضعت الحقيبة جانبا واستمعت إلى صوت إغلاق الباب فخرجت متجه نحو الدرج و وقفت تنظر إلى جوزيف بحده قائلة :
-لماذا تركتها ؟! .. جوزيف بك
رفع رأسه ينظر إليها بثقة وكأن شيئا لم يكن ، لتستشيط غيظا وقالت بعصبية :
-لن أتحمل قسوتك وخيانة معا يا جوزيف
ليشير إليها بسبابته قائلا بحده '
-أنتِ أخر من يتحدث عن الخيانة
اتسعت عيناها قليلا ثم هبطت الدرج متجه نحوه و وقفت في مواجهته لتقول ببكاء :
-لم أخونك يا جوزيف .. لقد فعلت هذا من أجلك ..
شهقت من البكاء ثم تابعت بنبرة تشبه صرخات عالية مؤلمه :
-لم أعلم أن العطر جديد .. حسبت أنه نوع من الأنواع القديمة .. وقلت أفعل أي شيء حتى لا يؤذيك .. وبيير مجرد صديق يا جوزيف افضفض معه حتى لا أموت من القهر
أخرج تهنيده مطولة من صدره ثم مد يده ليضعها على رأسها وضمها إلى صدره بحنان ، فدفنت رأسها في صدره بقوة واضعة يدها على صدرها الذي يؤلمها ، ويدها الأخرى تشبثت في قميصه تشكي حزنها لقلبه ، وظلت هكذا حتى هدأت عن البكاء ثم ابتعدت عنه وتراجعت للخلف بخطوتين قائلة :
-لن أسامحك يا جوزيف على ما رأيته اليوم
عقد حاجبيه يتنهد بعصبية فيما صعدت جين وعادت ساحبه الحقيبة خلفها ، لينظر جوزيف إلى الحقيبة في دهشة ثم عاد بالنظر إليها في تساءل ، وقالت جين بحسم :
-سأعود إلى القرية .. لست مجبر على العيش معي
-ما هذا الحديث؟! .. لماذا تقولين هذا ؟!
رفعت رأسها تنظر إليه بعينين مكسورتين قائلة :
-قسوتك معي يا جوزيف هي من جعلتني أقول هذا .. نظرت الشك التي في عينيك أرها كلما نظرت لي
ثم أطرقت رأسها تبكي بصوت مستمع وتابعت :
-والدي مريض و يود أن يراني
اغمض عيناه لبرهه ثم قال بهدوء :

-حسنا .. سآتي معك


عاد جان إلى فرنسا في الثانية عشر صباحا ودلف إلى الغرفة وضع حقيبته جانباً ، ثم وقف أمام الشرفة يفتح أستارها لتستيقظ أوجين ونظرت إليه بنعاس ، ثم ابتسمت بسعادة ونهضت راكضة إليه لتعانقه من الخلف قائلة :
-اشتقت إليك كثيراً يا جان .. اتمنى أن تكون الرحلة كانت سعيدة
بكل هدوء أزاح يديها عن خصره والتفت ينظر إليها باشمئزاز مما تعجبت متسائلة :
-ما خطبك ؟!
ليرد عليها بفحيح مرعب :
-تعلمين أن والدتك تسببت في موت شقيقتي ؟!
لم تندهش من سؤاله لأنها تعلم ، اومأت رأسها بالإيجاب ثم قالت بحزن :
-لم تقصد .. كانت والدته في بداية حملها الثالث و شقيقتك كانت أمام حمامة السباحة .. و والدتي وقفت بجوارها تتأمل الماء لتشعر بالدوران بفضل الحمل وأمسكت بذراع شقيقتك لتسقط معها في الحمام السباحة وغرقت و والدتي فقدت جنينها
هدأ جان قليلا ولكن تعصب عندما تذكر ديانتها وتساءل :
-تعلمين أنها يهودية ؟
لتندهش أوجين هذه المرة من سؤاله قائلة :
-ماذا تقول ؟! .. بالطبع لا
ارتفع حاجبية ثم اتجه نحو الباب بخطوات واسعة ليخرج متجه نحو غرفة عمه و وقف يدق الباب ، ثم انتظر للحظات وفتحت لويز لتبتسم له وأخبرته أنها اشتاقت إليه ، لم يجيب عليها وقبض على معصمها وأخذها إلى غرفته ، و وقفت بجوار ابنتها تحدق به في دهشة ، و واجهها بالحقيقة لتبتسم بخفة قائلة :
-نعم أعترف بهذا .. بكل فخر
حدقت أوجين بها ثم بدلت مكانها بالوقوف جوار جان وقالت بنبرة بكاء :
-لماذا لم تخبرينني يا أمي
لتجيب عليها بحده :
-لأن عمك قام بطردي من المنزل ولم أعود حتى أصبحتما في السن الشباب .. علاقتي بكم كانت مقابلات سريعة و والدكم كان معكم
ليقول جان بصوت جهوري :
-ولهذا والدتي كانت رافضة وجودك هنا
-نعم بعد أن علمت بديانتي
تساءلت أوجين بحزن واضح :
-لماذا لم تدخلي إلى الدين الاسلامي ؟!
نظرت إليها بحده بالغة وكأنها وضعت سيف حاد في قلبها وقالت بعصبية :
-أنتِ تستطيعين أن تتركي ديانتك بهذه السهولة ؟! .. وأنت أيضا يا جان ؟! ..
ثم رخت أعصابها لتهدأ قليلا وتحدثت بثقة :
-والدتك كانت تود أن المنزل يمتلئ بدينها الإسلامي .. وأنا سأمت من سيطرتها ولهذا أردت أن المنزل يمتلئ بديني أنا .. و توفيت والدتك وكل شيء هنا سيتحدث عن ديانتي
أبتسم جان بخفة ساخراً على حديثها ثم أشار إليها بسبابته قائلا :
-أنتِ لا شيء لتتحدثي عن الديانات بهذه الثقة .. و يوما ما ستغادرين هذا المنزل ولن تعودي مجددا
ثم أشار إلى الباب يطردها من الغرفة لتتركهم وتذهب ، فأغلق جان الباب خلفها بقوة فيما جلست أوجين على الفراش تبكي في صمت ، جلس بجوارها متمته بالاعتذار لتنظر إليه في دهشة فقال :
-اعتذر لأن لويز والدتك
وضعت يدها على كتفه ثم استندت برأسها عليه واضعة يدها على أحشائها قائلة دون تردد :
-جان أنا أحمل منك طفل
ارتفع حاجبيه متعجباً ثم أبتعد عنها لترفع رأسها وتقابلت عيناهم ، لترى أنه غير مصدق ما قالته ، فقالت مبتسمة :
-لا أريد شيئاً أخر .. هذا ما كنت اتمنى وأكثر
حرك رأسه يبتسم لها بحزن وهمس :
-مبارك عليكِ يا أوجين
-مبارك علينا يا جان
ثم قبلته على وجنته ، استمع إلى صوت بوق سيارة فنهض من مكانه وخرج إلى الشرفة ليرى سيارة شقيقة ، فتعجب من مجيئه في هذا الوقت المتأخر ثم دخل متجه نحو الباب قائلاً :
-لقد جاء جوزيف .. سأذهب لاستقباله
ثم خرج و وقف في بهو المنزل للحظات حتى دخل جوزيف وأغلق الباب جيدا ثم نظر إلى الأمام وتفاجئ بشقيقه ، ثم تقدم نحوه وهو يتساءل :
-منذ متى وأنت هنا ؟!
-من دقائق قليلة فقط
عانقه جوزيف مربتا على ظهره قائلا :
-يبدو أن الرحلة كانت سعيدة
أومأ جان برأسه ، ثم ابتعد جوزيف عنه لينظر إليه ، فتساءل جان :
-أين جين ؟!
رفع يديه وضعها خلف رأسه قائلا :
-مرض والدها وهي معه الأن
-حسنا .. سأقضي معك الليلة .. اود الحديث معك
ليحيط جوزيف كتف شقيقة ثم اتجها نحو الدرج وهو يقول :

-شيء رائع .. لقد اشتقت للحديث معك
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي