الفصل، الرابع، والثلاثون
جلس الجميع حول مائدة الطعام فقالت احلام بإبتسامة رائقة:
_ راما لقد أحضرت لك سمك الفسيخ كما قلتِ فلا تخذليني وتاكلي القليل وفقط... اريد منكِ ان تلتهمي هذه السفرة كاملة و الا تتركي بها شيء.
سحب حازم كرسيه وجلس قائلا بسخرية:
_ ربما تحبه يا أمي لكن من المؤكد لن تأكله فمن اعتاد علي الشوكة و السكينة لن يستطيع تناول الفسيخ.
ضيقت راما عينيها بعدما فطنت لقصده و ما عرفته عنه من مريم بخصوص چيلان و كرهه للبنات الاغنياء و لكنها حملت السمكة و قربتها من فمها و قضمت قطعة و هي تقول ببساطة:
_ أنت تأكل الفسيخ بالمعلقة كي لا تتسخ يديك و لكنني احملها بين يديّ و اقضمها هكذا فمن يستحق السخرية هنا هو أنت.
تعالت ضحكات الجميع و حازم يكظم ضحكته.. فقالت له راما بنبرة هادئة:
_ هل لي بطلب منك يا حازم ؟!
اجابها و هو يبتلع ما في فمه:
_ تفضلي.
جففت يديها بمحارم ورقية وسالته بتلهف:
_ تحدث معي عن.. زيد هذا.. فأنا لا أعرفه و اريد رأيك أنت.
طالعها لثواني ثم قال ببساطة:
_ آنسة راما زيد رجل يستحق كل خير و لكنه يعيش بمستوى اجتماعي متوسط.. مثلي.. فهل تستطعين العيش في بيئة كهذه بعيدا عن القصور و السيارات الفارهة؟!
سحبت نفسا طويلا و اجابته بتعقل:
_ انا لم ارى من الدنيا رغدها وفقط يا حازم.. فتلك القصور و السيارات التي تتحدث عنها كنت لفترة قريبة لا اشعر بها.. و بقائي بالمشافي كان لوقت أكبر و الحمد لله علي كل حال.
ربتت مريم علي كفها بحنو فإبتسمت اليها راما بإمتنان و تابعت قائلة:
_ وحينما استرددت عافيتي بأيا كانت الوسيلة والتي بسببها لا انام كأي فتاة وضميري يجلدني كل ليلة.. لتتابع الدنيا آلامها و تحرمني من أمي و الحمد لله مجددا علي كل حال.
تنهد حازم بأسي و قال:
_ رحمها الله.
اجابته راما مسرعة:
_ يارب.. و بعد وفاة امي تحول القصر لسجن لي رفضت الاندماج بالعالم من حولي و قد سعي ابي جاهدا علي ان يقحمني باي مناسبة و لكنني كنت اعود لغرفتي و لوحاتي ووحدتي.. الا ان جاء غنام وملأ حياتي بطعم الحياة.
لاحظت انتباه الجميع لقصتها فاردفت بإبتسامة رائقة:
_ وانتم ايضا وجدت بينكم دفئا افتقده بشدة.. و لم اشعر بأي غربة و انا اعيش هنا في هذا المنزل البسيط ذو المكانة الاجتماعية الاقل من قصورنا كما قلت.. وكنت علي استعداد للعيش مع غنام حتي و لو بكوخ فالامر هنا ليس مظهرا اسعي ورائه لانني لا هتم لحديث الناس و قد اعتزلتهم بل اهتم بالحب و الحنان و الدفء.. هل فهمتني يا حازم؟!
ابتسم براحة و قال و هو يحمل سمكته بيديه كما فعلت هي:
_ انا ايضا اءكل الفسيخ بيدى مثلك و افضل منك يا.. راما.
اتسعت عيناها و قالت بسعادة:
_ تخليك عن لقب آنسة معناه انني اصبحت كمريم وسجدة عندك اليس كذلك؟!
اومأ حازم برأسه و قال ببساطة:
_ نعم.. ناوليني طبق الليمون من امامك هل تحتكريه لنفسك مثلا.
ناولته اياه بابتسامة متسعة.. اقتربت منه سجدة و قالت برجاء:
_ حازم حبيبي ارجوك نريد ان نتنزه اليوم مع راما طالما اليوم عطلتك و ارجوك لا تقل لا فهي ستتركنا بعد ايام و نريد التقاط صورا تذكارية لنا سويا.
رفع عينيه ناحية راما وسالها بحدية:
_ مارايك بما قالته سجدة موافقة لكي اخبرك بكل شئ عن زيد.. زيد وليس غنام ؟!
هزت كتفيها بتسليم و طالعت احلام و قالت بتأدب:
_ اذا وافقت خالتي احلام انا لا مانع لدى.
فكرت احلام قليلا و قالت بمداعبة:
_ نغتسل اولا و ان تخلصنا من رائحة الفسيخ حينها يمكننا الخروج.
تعالت ضحكاتهم جميعا و بدأو في تبادل الحديث بينهم بمزاح و حازم قد ملأته الراحة من ناحية راما.. فزيد معه حق و ياليت جيلان كانت مثلها...
• * * * * *
ومرت الأيام وهى لا تتذكر شئ وبكائها هو صديقها الوحيد بدأت تتعافى فقررت المشفى إيداعها فى مصحة للأمراض العقلية حتى يظهر لها أهل ...
أما أهلها فكانوا يموتون فى اليوم مائة مرة على بعدها والجدة بكائها لا ينقطع ومروان يموت فى كل دقيقة ألف مره وهو يتذكر كلماته القاسية لها .
استنفرت قوات الأمن فى البحث عنها .. ذهب رؤوف ومروان لقسم الشرطة للسؤال عليها ، إستقبلهم الضابط وأجلسهم أمامه وقال موضحا :
_ هناك ثلاث حالات لفتيات في المشفي او قسم الشرطة بنفس مواصفاتها سأعرضهن عليكما ربما هي واحدة منهم.
فرد عليه رؤوف بتفاؤل متحمس :
_ بإذن الله ستكون من بينهم يا سيدى.
ناوله الضابط اول ملف وقال بعملية :
_ الاولي هي فتاة محجبة عمرها تقريبا ثمانية و عشرون عاما.. تعرضت لحادث سيارة و هي الآن في المشفي في حالة غيبوبة كاملة.
تطلع مروان بصورتها وقال بضيق :
_ ليست هي آية عمرها عشرون عاما فقط وبيضاء هذه الفتاة سمراء.
ناولهم الضابط ملفا ثانيا و قال:
_ الثانية فتاة مقبوض عليها بمركز الشرطة وترفض البوح بإسمها او اي شئ عن شخصيتها.. هي محجبة وقصيرة و ايضا سمراء للاسف ترتدى بنطال من القماش لونه ابيض و سترة زرقاء.
فقال له رؤوف نافيا و قد بدأ صدره يضيق بأسي :
_ لا ليست هي للاسف آية طولها متوسط.
ناولهما الضابط الملف الثالث و قال:
_ الثالثة فتاة بها كل المواصفات كما قلتما بيضاء و طولها متوسط بالعشرين من عمرها و لكنها فاقدة للذاكرة اثر حادث سيارة ولكن بمحافظة اخرى غير القاهرة بمحافظة المنصورة ولم يرسلوا لنا صورة لها للاسف.
ردت الروح فى مروان و انتفض واقفا وقال بأمل :
_ ربما تكون هي فآية عمتها و بيت والدها بالمنصورة و لكننا ذهبنا اليها و سألناها عليها فقالت انها لم تزرها و لم تراها.
اومأ الضابط برأسه و قال متابعا:
_ عامة مواصفات هذه الفتاة يوم الحادث ليست محجبة ترتدي بنطال جنزي و كنزة بيضاء قصيرة.
فقال له مروان بتسرع :
_ لا آية محجبة و كانت ترتدى سترة باللون البني و حجاب بني و لم يكن معها اي نقود كي تستقل بها سيارة المنصورة لان حقيبتها تركتها معي وبها كل حاجيتها لقد تذكرت.
فقال له الضابط بضيق :
_ كنت أءمل ان تكون الفتاة الثالثة هي ضالتكم و لكننا لن نتوقف عند هذا الحد سنكمل بحثنا و لكن وجهة نظرى انها مختفية بإرادتها.. عامة اذا وجدنا شيئا آخر او توصلنا لأي معلومة سنبلغكم علي الفور.
فوقف رؤوف بتثاقل وقال بحزن :
_ شكرا جزيلا يا سيدي.. بعد إذنك.
خرجوا من عنده والحزن يغطى ملامحهم وقف مروان يتطلع حوله بمجون وقال بوهن :
_ أين أنتِ يا آية.. ماذا حدث معكِ يا حبيبتي.. عودى اليّ.
نظر له رؤوف بغضب وقال بحدة و هو يضربه بقبضته في كفه :
_ لا اريد ان اسمع اسمها منك مرة اخرى يا حيوان فهي من الاساس كانت خسارة فيك انا المخطئ.. انا المخطئ.. حسبي الله ونعم الوكيل.
تركه ومضى ومروان يموت دون أن يشعر به أحد.. يعلم انه مخطئ و لكنهم يقسون عليه بشدة....
دلفت آية إلى المصحة و هي تتطلع حولها بخوف.. إستقبلتها أحد الممرضات فى الخمسين من عمرها وإبتسمت لها وقالت بحنو:
_ اقتربي يا صغيرتي لا تخافي مني.. هل أنتِ المريضة فاقدة الذاكرة و التي سلمك مركز الشرطة لنا.
أومأت آية برأسها بنعم و قالت:
_ نعم انا هي.
اقتربت منها الممرضة وقالت بهدوء وهي تربت علي ظهرها وتحثها علي السير :
_ تعاليّ معي لاريكِ غرفتك الجديدة لقد اخترتها لكِ بجوار غرفتي و قريبة من الحديقة الخلفية كي تستطيعي الخروج لتغيير الجو بأى وقت يا حبيبتي.
فسألتها آية بتعجب وهي تتطلع حولها للمرضى والذين يطالعونها بنظرات مخيفة :
_ لماذا انا هنا؟! المكان يبدو مخيفا ومقبضا.
لاحظت إنعام الممرضة أنها تبدو من هياتها ابنة عائلة وليست فتاة شارع فقالت لها بإبتسامتها الودودة :
_ اسمي انعام.. قولي لي يا خالتي انعام.. و لا تقلقي انتي هنا لكي نساعدك علي تذكر هويتك واهلك او ان نعثر عليهم قبلها.
كانت آية تسير و هي تتأمل المكان حولها بتوجس.. التفتت ناحية انعام وقالت بتساؤل:
_ هل تقصدين أنني مريضة و أنتم ستعالجونني لكي اتذكر من انا اليس كذلك يا خالتي؟!
ردت عليها إنعام مؤكده :
_ صحيح.. هنا بالمشفي أطباء جيدون جدا و ذو خبرة كبيرة و سيقومون بمساعدتك و ستتذكرين كل شئ و تعودين افضل من الاول يا صغيرتي.
أدخلتها إنعام غرفة منفصلة بعيدا عن الغرف المشتركة وقالت بعملية :
_ هذه الغرفة ستكون لكِ حبيبتي انا فضلت ان تكوني في الغرفة بمفردك كي تكوني علي راحتك.
اومأت اية برأسها وهي تتابع غرفتها براحة.. فتابعت انعام قائلة:
_ ستظلين بها طوال الليل و بالصباح سأخرجك لتجلسي بالخارج في الحديقة و باوقات الأكل ساخبرك بمواعيدها حتي تعتادى.
جلست آية علي فراشها.. فربتت انعام علي كتفها وقالت:
_ سأذهب لأحضر لكِ عشاؤك تناوليه ونامي علي الفور و انا بالغرفة المجاورة لكِ ان احتجتي اي شئ اطرقي علي باب الغرفة ساكون معك.
ابتسمت آية بخفوت وقالت بإنصياع :
_ حسنا.. كما ترين سأفعل يا خالتي ولكن ابقي بجوارى فأنا خائفة.
اومأت انعام برأسها وقالت :
_ لا تقلقي.
تركتها إنعام وخرجت ، جلست آية على فراشها تتطلع إلى الغرفة وأمسكت رأسها فى محاولة لتتذكر أى شئ.. ايام وهي علي تلك الحالة في الضغط على نفسها...
ولكن لم يبقى فى رأسها سوى الظلام الكالح و الصمت المريب ...
تناولت طعامها ونامت.....
فى الصباح جلست على فراشها فوجدت إنعام تدخل عليها بإبتسامتها وقالت :
- صباح الخير .
اجابتها آية بهدوء :
- صباح النور .
ناولتها انعام طاقم خاص بالمريضات لونه زهرى و قالت:
_ هذه ملابسك هنا كل يوم سآتي لكِ بطاقم نظيف اغتسلي اولا ثم ارتديها لأن الطبيب سيأتي لكِ بعد الإفطار حبيبتي ليعاينكِ.
أومأت آية برأسها وقالت مستسلمة :
- حسنا.
أخذت منها الملابس ودلفت للحمام إغتسلت وارتدت الزى الرسمي للمشفى .... وظلت تنظر فى المرأة لوجهها لربما تتعرف على نفسها ، أخذت تتأمل ملامحها وعيونها وما بتبقى من ندبات فى وجهها من الحادث....
خرجت تمشط شعرها الطويل التى أحبته بشدة من جماله.. نظرت لها إنعام وقالت بإعجاب :
_ اعطني الفرشاة يا حبيبتي و انا سأمشط لكِ شعراتك.. ما شاء الله شعرك رائع الجمال و لكنه طويل للغاية، ما رأيك بأن نقص منه قليلا؟!
فقالت لها آية بذعر بعدما لملمت شعراتها وكأنها تحتضن صغيرها بخوف :
_ لا.. لا تقصي منه شيئا لو تفضلتي فأنا أحبه كما هو طويلا.
طالعتها انعام بإشفاق وقالت:
_ حسنا... لا تقلقي حبيبتي، فانا لدى ابنة بمثل عمرك و تذهب للجامعة.. انت بالجامعة أيضا؟!
فقالت لها آية بحزن بعدما نكست رأسها :
_ لا اعرف.. ربما انا بالجامعة وربما لا.
أخرجتها إنعام فى حديقة المشفى تتأمل الطبيعة وتتأمل المريضات حولها إقتربت منها إحدى الممرضات وقالت بعملية جادة :
_ تعالي معي فالطبيب يريد رؤيتك بمكتبه.
وقفت وسارت معها وتوجهت لغرفة الطبيب جلست أمامه فقال بإبتسامة هادئة :
_ كيف حالك اليوم؟!
فردت عليه آية بتحفظ من نظراته المتفحصة لها بجراة جعلتها تجفل قليلا :
_ انا بخير.
اطال في نظراته اليها متفحص جسدها الملفوف وشعراتها الناعمة الطويلة وقال ببرود :
_ لقد علمت ان حالتك فقدان للذاكرة.. خلال الايام الماضية لم تتذكرى اي شئ .
هزت آية رأسها نافية و قالت:
_ لا لم اتذكر أي شئ مطلقا.
فسألها قائلا وهو يدون ما تقوله بدفتر أمامه :
_ ولا خيالات بسيطة تترائى اليك لأشخاص معينة؟!
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بحزن :
_ لا لم ارى اي خيالات.. انا استيقظت وجدت نفسي بمكان غريب قالوا لي انه مشفي و عندما طابت جروحي احضروني الا هنا في هذه المشفى ايضا ولكنها تختلف عن هنا.
إستمرت جلستهم لمدة ساعة... خرجت وجلست فى قاعة بها تلفاز ظلت بها طوال اليوم تشاهد التلفاز أو بمعنى أدق تتعرف علي العالم الخارجى حولها كيف يبدو عن خلاله ...
كانت تلتهم بعيونها وأذنها كل معلومة وكلمة كأنها مولود صغير ...
إستمرت حياتها على هذا النحو لأيام تصحو تجلس بالحديقة تحضر جلسة الطبيب.... وتجلس أمام التلفاز وتأكل وجباتها بانتظام وكرهها لهذا الطبيب يزداد مع زيادة جرئته وحركاته .
كانت تطالع التلفاز فالتفتت لإنعام وقالت لها بتساؤل متعجب لتفهم :
_ خالتي عندى سؤال لكِ.
طالعتها بإهتمام وقالت:
- إسألى يا حبيبتى .
فركت اية اناملها وقالت بطفولة:
_ هذا الطبيب السخيف اخبرني انه سيخضعني لكشف طبي غريب تقريبا اسمه فحص للعذرية و انا لا افهم ما هو هذا الفحص اهو مؤلم ام ماذا؟!
إتسعت عينى إنعام بفزع وقالت بغضب اعمي :
_ كشف عذرية.. مجددا.. الن يتقي الله بعمله و لو لمرة واحدة لقد سأمت هذا الوضع المذري.
إستشفت آية من حديثها أن هناك شئ مخيف فقالت بقلق :
_ هل هناك خطبٌ ما يا خالتي؟!
عادت انعام بعينيها اليها و هي تطالعها بإشفاق و تنهدت بأسي فأردفت آية قائلة بخوف:
_ لقد زاد قلقي وتحول لخوف.. ارجوكي اجيبيني هل هناك خطب ما بهذا الفحص؟!
إبتعدت عنها إنعام ووقفت بشرفة الغرفة وقالت بأسى :
_ لن يتركك الا اذا فعل فعلته الحقيرة انا اعرفه جيدا.. ماذا افعل الآن معكِ اذا اخبرت اي شخص سيؤذيني و انا احتاج هذا العمل لتربية ابنتي.
سألتها آية ببرائة وهي تقترب منها ببطء :
_ هل هذا الفحص مؤلم لهذا الحد يا خالتي ؟!
نظرت لها إنعام مطولا و هي تتسائل بضيق.. كيف لهذه البريئة أن تقف أمام هذا الوحش بجبروته و سلطته و اعماله المنافية للاداب و المنطق.. و هي ليس بيدها شئ تفعله سوى الصمت.. ففكرت كيف تنقذها من براثن هذا الذئب التفتت ناحيتها وقالت بتصميم :
_ لا يوجد امامنا سوى حل واحد لا أجد غيره.
تعلقت عيون آية بعينيها و كأنها تتنفس بهما لتقول انعام مسرعة:
_ افهميني جيدا يا حبيبتي.. انا سأساعدك كي تهربي من هنا بأسرع وقت هذا هو الحل الوحيد.
ضيقت اية عينيها و قالت بتساؤل حذر:
_ ولكن الى أين سأذهب؟!
ربتت انعام علي ذراعها و هي تتطلع حولها بحذر وقالت بهمس:
_ لا تقلقي فأنا لن أتركك بمفردك فانتِ أصبحتِ بغلاوة ابنتي.. انا سأعطيكي عنوان منزلي و ساعطيكي مبلغ مالي ستعطيه لأى سائق اجرة و هو سيوصلك لمنزلي و انا ساخفيكي عندى حتي تهدأ الأمور يا حبيبتي.
فقالت لها آية بخوف وهي تتنفس بصعوبة من خوفها :
_ حسنا كما ترين سأفعل.. رغم انني لازلت لا افهم شيئا.
فى المساء وعند خروج الممرضات من المشفى ألبستها إنعام من
ملابس إبنتها بنطلون جينز وبلوفر أحمر وعقدت شعرها كما يقال عليه كعكة و طلبت منها الاستعداد للرحيل واكدت عليها كل ما قالته سابقا...
طلبت إنعام من الحارس أن يحضر لها شيئا من الداخل وبمجرد إبتعاده عن البوابة اشارت لآية بالتقدم وخرجت تركض كأنها فرت من السجن للحرية....
ظلت تركض وتبتعد وتبتعد و هي تتطلع ورائها بذعر.. حتى تعبت من السير فجلست على أحد الإستراحات لتأخذ نفسها قليلا وترتاح...
وضعت يدها بجيب بنطالها لتخرج الورقة التي دونت بها إنعام عنوانها لتجد الورقة قد وقعت منها وضاعت....
جلست مجددا وهي تتطلع بالطريق تفكر ماذا ستفعل؟! والا أين ستذهب؟!!
فهى رغم اي شئ لن تعود لهذا المكان مرة أخرى مهما كلفها الأمر....
لاحظت نظرات المارة لها، نظرة ترجمها عقلها أنها نفس نظرة الطبيب لها... فخافت وإبتعدت حتى بدأت الشوارع فى التزين بالهدوء الذى أخافها أكثر من الزحام...
حاول أحد المارة أن يتقرب منها ليس بالكلام فقط ولكن باللمس فخافت وإبتعدت حتى وجدت أمامها قسم شرطة ... ابتسمت وتذكرت أحد الأفلام التى رأتها وعبارة الشرطة فى خدمة الشعب...
فقررت ان تستخدم حقها بتلك الجملة.....
...............................................
_ راما لقد أحضرت لك سمك الفسيخ كما قلتِ فلا تخذليني وتاكلي القليل وفقط... اريد منكِ ان تلتهمي هذه السفرة كاملة و الا تتركي بها شيء.
سحب حازم كرسيه وجلس قائلا بسخرية:
_ ربما تحبه يا أمي لكن من المؤكد لن تأكله فمن اعتاد علي الشوكة و السكينة لن يستطيع تناول الفسيخ.
ضيقت راما عينيها بعدما فطنت لقصده و ما عرفته عنه من مريم بخصوص چيلان و كرهه للبنات الاغنياء و لكنها حملت السمكة و قربتها من فمها و قضمت قطعة و هي تقول ببساطة:
_ أنت تأكل الفسيخ بالمعلقة كي لا تتسخ يديك و لكنني احملها بين يديّ و اقضمها هكذا فمن يستحق السخرية هنا هو أنت.
تعالت ضحكات الجميع و حازم يكظم ضحكته.. فقالت له راما بنبرة هادئة:
_ هل لي بطلب منك يا حازم ؟!
اجابها و هو يبتلع ما في فمه:
_ تفضلي.
جففت يديها بمحارم ورقية وسالته بتلهف:
_ تحدث معي عن.. زيد هذا.. فأنا لا أعرفه و اريد رأيك أنت.
طالعها لثواني ثم قال ببساطة:
_ آنسة راما زيد رجل يستحق كل خير و لكنه يعيش بمستوى اجتماعي متوسط.. مثلي.. فهل تستطعين العيش في بيئة كهذه بعيدا عن القصور و السيارات الفارهة؟!
سحبت نفسا طويلا و اجابته بتعقل:
_ انا لم ارى من الدنيا رغدها وفقط يا حازم.. فتلك القصور و السيارات التي تتحدث عنها كنت لفترة قريبة لا اشعر بها.. و بقائي بالمشافي كان لوقت أكبر و الحمد لله علي كل حال.
ربتت مريم علي كفها بحنو فإبتسمت اليها راما بإمتنان و تابعت قائلة:
_ وحينما استرددت عافيتي بأيا كانت الوسيلة والتي بسببها لا انام كأي فتاة وضميري يجلدني كل ليلة.. لتتابع الدنيا آلامها و تحرمني من أمي و الحمد لله مجددا علي كل حال.
تنهد حازم بأسي و قال:
_ رحمها الله.
اجابته راما مسرعة:
_ يارب.. و بعد وفاة امي تحول القصر لسجن لي رفضت الاندماج بالعالم من حولي و قد سعي ابي جاهدا علي ان يقحمني باي مناسبة و لكنني كنت اعود لغرفتي و لوحاتي ووحدتي.. الا ان جاء غنام وملأ حياتي بطعم الحياة.
لاحظت انتباه الجميع لقصتها فاردفت بإبتسامة رائقة:
_ وانتم ايضا وجدت بينكم دفئا افتقده بشدة.. و لم اشعر بأي غربة و انا اعيش هنا في هذا المنزل البسيط ذو المكانة الاجتماعية الاقل من قصورنا كما قلت.. وكنت علي استعداد للعيش مع غنام حتي و لو بكوخ فالامر هنا ليس مظهرا اسعي ورائه لانني لا هتم لحديث الناس و قد اعتزلتهم بل اهتم بالحب و الحنان و الدفء.. هل فهمتني يا حازم؟!
ابتسم براحة و قال و هو يحمل سمكته بيديه كما فعلت هي:
_ انا ايضا اءكل الفسيخ بيدى مثلك و افضل منك يا.. راما.
اتسعت عيناها و قالت بسعادة:
_ تخليك عن لقب آنسة معناه انني اصبحت كمريم وسجدة عندك اليس كذلك؟!
اومأ حازم برأسه و قال ببساطة:
_ نعم.. ناوليني طبق الليمون من امامك هل تحتكريه لنفسك مثلا.
ناولته اياه بابتسامة متسعة.. اقتربت منه سجدة و قالت برجاء:
_ حازم حبيبي ارجوك نريد ان نتنزه اليوم مع راما طالما اليوم عطلتك و ارجوك لا تقل لا فهي ستتركنا بعد ايام و نريد التقاط صورا تذكارية لنا سويا.
رفع عينيه ناحية راما وسالها بحدية:
_ مارايك بما قالته سجدة موافقة لكي اخبرك بكل شئ عن زيد.. زيد وليس غنام ؟!
هزت كتفيها بتسليم و طالعت احلام و قالت بتأدب:
_ اذا وافقت خالتي احلام انا لا مانع لدى.
فكرت احلام قليلا و قالت بمداعبة:
_ نغتسل اولا و ان تخلصنا من رائحة الفسيخ حينها يمكننا الخروج.
تعالت ضحكاتهم جميعا و بدأو في تبادل الحديث بينهم بمزاح و حازم قد ملأته الراحة من ناحية راما.. فزيد معه حق و ياليت جيلان كانت مثلها...
• * * * * *
ومرت الأيام وهى لا تتذكر شئ وبكائها هو صديقها الوحيد بدأت تتعافى فقررت المشفى إيداعها فى مصحة للأمراض العقلية حتى يظهر لها أهل ...
أما أهلها فكانوا يموتون فى اليوم مائة مرة على بعدها والجدة بكائها لا ينقطع ومروان يموت فى كل دقيقة ألف مره وهو يتذكر كلماته القاسية لها .
استنفرت قوات الأمن فى البحث عنها .. ذهب رؤوف ومروان لقسم الشرطة للسؤال عليها ، إستقبلهم الضابط وأجلسهم أمامه وقال موضحا :
_ هناك ثلاث حالات لفتيات في المشفي او قسم الشرطة بنفس مواصفاتها سأعرضهن عليكما ربما هي واحدة منهم.
فرد عليه رؤوف بتفاؤل متحمس :
_ بإذن الله ستكون من بينهم يا سيدى.
ناوله الضابط اول ملف وقال بعملية :
_ الاولي هي فتاة محجبة عمرها تقريبا ثمانية و عشرون عاما.. تعرضت لحادث سيارة و هي الآن في المشفي في حالة غيبوبة كاملة.
تطلع مروان بصورتها وقال بضيق :
_ ليست هي آية عمرها عشرون عاما فقط وبيضاء هذه الفتاة سمراء.
ناولهم الضابط ملفا ثانيا و قال:
_ الثانية فتاة مقبوض عليها بمركز الشرطة وترفض البوح بإسمها او اي شئ عن شخصيتها.. هي محجبة وقصيرة و ايضا سمراء للاسف ترتدى بنطال من القماش لونه ابيض و سترة زرقاء.
فقال له رؤوف نافيا و قد بدأ صدره يضيق بأسي :
_ لا ليست هي للاسف آية طولها متوسط.
ناولهما الضابط الملف الثالث و قال:
_ الثالثة فتاة بها كل المواصفات كما قلتما بيضاء و طولها متوسط بالعشرين من عمرها و لكنها فاقدة للذاكرة اثر حادث سيارة ولكن بمحافظة اخرى غير القاهرة بمحافظة المنصورة ولم يرسلوا لنا صورة لها للاسف.
ردت الروح فى مروان و انتفض واقفا وقال بأمل :
_ ربما تكون هي فآية عمتها و بيت والدها بالمنصورة و لكننا ذهبنا اليها و سألناها عليها فقالت انها لم تزرها و لم تراها.
اومأ الضابط برأسه و قال متابعا:
_ عامة مواصفات هذه الفتاة يوم الحادث ليست محجبة ترتدي بنطال جنزي و كنزة بيضاء قصيرة.
فقال له مروان بتسرع :
_ لا آية محجبة و كانت ترتدى سترة باللون البني و حجاب بني و لم يكن معها اي نقود كي تستقل بها سيارة المنصورة لان حقيبتها تركتها معي وبها كل حاجيتها لقد تذكرت.
فقال له الضابط بضيق :
_ كنت أءمل ان تكون الفتاة الثالثة هي ضالتكم و لكننا لن نتوقف عند هذا الحد سنكمل بحثنا و لكن وجهة نظرى انها مختفية بإرادتها.. عامة اذا وجدنا شيئا آخر او توصلنا لأي معلومة سنبلغكم علي الفور.
فوقف رؤوف بتثاقل وقال بحزن :
_ شكرا جزيلا يا سيدي.. بعد إذنك.
خرجوا من عنده والحزن يغطى ملامحهم وقف مروان يتطلع حوله بمجون وقال بوهن :
_ أين أنتِ يا آية.. ماذا حدث معكِ يا حبيبتي.. عودى اليّ.
نظر له رؤوف بغضب وقال بحدة و هو يضربه بقبضته في كفه :
_ لا اريد ان اسمع اسمها منك مرة اخرى يا حيوان فهي من الاساس كانت خسارة فيك انا المخطئ.. انا المخطئ.. حسبي الله ونعم الوكيل.
تركه ومضى ومروان يموت دون أن يشعر به أحد.. يعلم انه مخطئ و لكنهم يقسون عليه بشدة....
دلفت آية إلى المصحة و هي تتطلع حولها بخوف.. إستقبلتها أحد الممرضات فى الخمسين من عمرها وإبتسمت لها وقالت بحنو:
_ اقتربي يا صغيرتي لا تخافي مني.. هل أنتِ المريضة فاقدة الذاكرة و التي سلمك مركز الشرطة لنا.
أومأت آية برأسها بنعم و قالت:
_ نعم انا هي.
اقتربت منها الممرضة وقالت بهدوء وهي تربت علي ظهرها وتحثها علي السير :
_ تعاليّ معي لاريكِ غرفتك الجديدة لقد اخترتها لكِ بجوار غرفتي و قريبة من الحديقة الخلفية كي تستطيعي الخروج لتغيير الجو بأى وقت يا حبيبتي.
فسألتها آية بتعجب وهي تتطلع حولها للمرضى والذين يطالعونها بنظرات مخيفة :
_ لماذا انا هنا؟! المكان يبدو مخيفا ومقبضا.
لاحظت إنعام الممرضة أنها تبدو من هياتها ابنة عائلة وليست فتاة شارع فقالت لها بإبتسامتها الودودة :
_ اسمي انعام.. قولي لي يا خالتي انعام.. و لا تقلقي انتي هنا لكي نساعدك علي تذكر هويتك واهلك او ان نعثر عليهم قبلها.
كانت آية تسير و هي تتأمل المكان حولها بتوجس.. التفتت ناحية انعام وقالت بتساؤل:
_ هل تقصدين أنني مريضة و أنتم ستعالجونني لكي اتذكر من انا اليس كذلك يا خالتي؟!
ردت عليها إنعام مؤكده :
_ صحيح.. هنا بالمشفي أطباء جيدون جدا و ذو خبرة كبيرة و سيقومون بمساعدتك و ستتذكرين كل شئ و تعودين افضل من الاول يا صغيرتي.
أدخلتها إنعام غرفة منفصلة بعيدا عن الغرف المشتركة وقالت بعملية :
_ هذه الغرفة ستكون لكِ حبيبتي انا فضلت ان تكوني في الغرفة بمفردك كي تكوني علي راحتك.
اومأت اية برأسها وهي تتابع غرفتها براحة.. فتابعت انعام قائلة:
_ ستظلين بها طوال الليل و بالصباح سأخرجك لتجلسي بالخارج في الحديقة و باوقات الأكل ساخبرك بمواعيدها حتي تعتادى.
جلست آية علي فراشها.. فربتت انعام علي كتفها وقالت:
_ سأذهب لأحضر لكِ عشاؤك تناوليه ونامي علي الفور و انا بالغرفة المجاورة لكِ ان احتجتي اي شئ اطرقي علي باب الغرفة ساكون معك.
ابتسمت آية بخفوت وقالت بإنصياع :
_ حسنا.. كما ترين سأفعل يا خالتي ولكن ابقي بجوارى فأنا خائفة.
اومأت انعام برأسها وقالت :
_ لا تقلقي.
تركتها إنعام وخرجت ، جلست آية على فراشها تتطلع إلى الغرفة وأمسكت رأسها فى محاولة لتتذكر أى شئ.. ايام وهي علي تلك الحالة في الضغط على نفسها...
ولكن لم يبقى فى رأسها سوى الظلام الكالح و الصمت المريب ...
تناولت طعامها ونامت.....
فى الصباح جلست على فراشها فوجدت إنعام تدخل عليها بإبتسامتها وقالت :
- صباح الخير .
اجابتها آية بهدوء :
- صباح النور .
ناولتها انعام طاقم خاص بالمريضات لونه زهرى و قالت:
_ هذه ملابسك هنا كل يوم سآتي لكِ بطاقم نظيف اغتسلي اولا ثم ارتديها لأن الطبيب سيأتي لكِ بعد الإفطار حبيبتي ليعاينكِ.
أومأت آية برأسها وقالت مستسلمة :
- حسنا.
أخذت منها الملابس ودلفت للحمام إغتسلت وارتدت الزى الرسمي للمشفى .... وظلت تنظر فى المرأة لوجهها لربما تتعرف على نفسها ، أخذت تتأمل ملامحها وعيونها وما بتبقى من ندبات فى وجهها من الحادث....
خرجت تمشط شعرها الطويل التى أحبته بشدة من جماله.. نظرت لها إنعام وقالت بإعجاب :
_ اعطني الفرشاة يا حبيبتي و انا سأمشط لكِ شعراتك.. ما شاء الله شعرك رائع الجمال و لكنه طويل للغاية، ما رأيك بأن نقص منه قليلا؟!
فقالت لها آية بذعر بعدما لملمت شعراتها وكأنها تحتضن صغيرها بخوف :
_ لا.. لا تقصي منه شيئا لو تفضلتي فأنا أحبه كما هو طويلا.
طالعتها انعام بإشفاق وقالت:
_ حسنا... لا تقلقي حبيبتي، فانا لدى ابنة بمثل عمرك و تذهب للجامعة.. انت بالجامعة أيضا؟!
فقالت لها آية بحزن بعدما نكست رأسها :
_ لا اعرف.. ربما انا بالجامعة وربما لا.
أخرجتها إنعام فى حديقة المشفى تتأمل الطبيعة وتتأمل المريضات حولها إقتربت منها إحدى الممرضات وقالت بعملية جادة :
_ تعالي معي فالطبيب يريد رؤيتك بمكتبه.
وقفت وسارت معها وتوجهت لغرفة الطبيب جلست أمامه فقال بإبتسامة هادئة :
_ كيف حالك اليوم؟!
فردت عليه آية بتحفظ من نظراته المتفحصة لها بجراة جعلتها تجفل قليلا :
_ انا بخير.
اطال في نظراته اليها متفحص جسدها الملفوف وشعراتها الناعمة الطويلة وقال ببرود :
_ لقد علمت ان حالتك فقدان للذاكرة.. خلال الايام الماضية لم تتذكرى اي شئ .
هزت آية رأسها نافية و قالت:
_ لا لم اتذكر أي شئ مطلقا.
فسألها قائلا وهو يدون ما تقوله بدفتر أمامه :
_ ولا خيالات بسيطة تترائى اليك لأشخاص معينة؟!
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بحزن :
_ لا لم ارى اي خيالات.. انا استيقظت وجدت نفسي بمكان غريب قالوا لي انه مشفي و عندما طابت جروحي احضروني الا هنا في هذه المشفى ايضا ولكنها تختلف عن هنا.
إستمرت جلستهم لمدة ساعة... خرجت وجلست فى قاعة بها تلفاز ظلت بها طوال اليوم تشاهد التلفاز أو بمعنى أدق تتعرف علي العالم الخارجى حولها كيف يبدو عن خلاله ...
كانت تلتهم بعيونها وأذنها كل معلومة وكلمة كأنها مولود صغير ...
إستمرت حياتها على هذا النحو لأيام تصحو تجلس بالحديقة تحضر جلسة الطبيب.... وتجلس أمام التلفاز وتأكل وجباتها بانتظام وكرهها لهذا الطبيب يزداد مع زيادة جرئته وحركاته .
كانت تطالع التلفاز فالتفتت لإنعام وقالت لها بتساؤل متعجب لتفهم :
_ خالتي عندى سؤال لكِ.
طالعتها بإهتمام وقالت:
- إسألى يا حبيبتى .
فركت اية اناملها وقالت بطفولة:
_ هذا الطبيب السخيف اخبرني انه سيخضعني لكشف طبي غريب تقريبا اسمه فحص للعذرية و انا لا افهم ما هو هذا الفحص اهو مؤلم ام ماذا؟!
إتسعت عينى إنعام بفزع وقالت بغضب اعمي :
_ كشف عذرية.. مجددا.. الن يتقي الله بعمله و لو لمرة واحدة لقد سأمت هذا الوضع المذري.
إستشفت آية من حديثها أن هناك شئ مخيف فقالت بقلق :
_ هل هناك خطبٌ ما يا خالتي؟!
عادت انعام بعينيها اليها و هي تطالعها بإشفاق و تنهدت بأسي فأردفت آية قائلة بخوف:
_ لقد زاد قلقي وتحول لخوف.. ارجوكي اجيبيني هل هناك خطب ما بهذا الفحص؟!
إبتعدت عنها إنعام ووقفت بشرفة الغرفة وقالت بأسى :
_ لن يتركك الا اذا فعل فعلته الحقيرة انا اعرفه جيدا.. ماذا افعل الآن معكِ اذا اخبرت اي شخص سيؤذيني و انا احتاج هذا العمل لتربية ابنتي.
سألتها آية ببرائة وهي تقترب منها ببطء :
_ هل هذا الفحص مؤلم لهذا الحد يا خالتي ؟!
نظرت لها إنعام مطولا و هي تتسائل بضيق.. كيف لهذه البريئة أن تقف أمام هذا الوحش بجبروته و سلطته و اعماله المنافية للاداب و المنطق.. و هي ليس بيدها شئ تفعله سوى الصمت.. ففكرت كيف تنقذها من براثن هذا الذئب التفتت ناحيتها وقالت بتصميم :
_ لا يوجد امامنا سوى حل واحد لا أجد غيره.
تعلقت عيون آية بعينيها و كأنها تتنفس بهما لتقول انعام مسرعة:
_ افهميني جيدا يا حبيبتي.. انا سأساعدك كي تهربي من هنا بأسرع وقت هذا هو الحل الوحيد.
ضيقت اية عينيها و قالت بتساؤل حذر:
_ ولكن الى أين سأذهب؟!
ربتت انعام علي ذراعها و هي تتطلع حولها بحذر وقالت بهمس:
_ لا تقلقي فأنا لن أتركك بمفردك فانتِ أصبحتِ بغلاوة ابنتي.. انا سأعطيكي عنوان منزلي و ساعطيكي مبلغ مالي ستعطيه لأى سائق اجرة و هو سيوصلك لمنزلي و انا ساخفيكي عندى حتي تهدأ الأمور يا حبيبتي.
فقالت لها آية بخوف وهي تتنفس بصعوبة من خوفها :
_ حسنا كما ترين سأفعل.. رغم انني لازلت لا افهم شيئا.
فى المساء وعند خروج الممرضات من المشفى ألبستها إنعام من
ملابس إبنتها بنطلون جينز وبلوفر أحمر وعقدت شعرها كما يقال عليه كعكة و طلبت منها الاستعداد للرحيل واكدت عليها كل ما قالته سابقا...
طلبت إنعام من الحارس أن يحضر لها شيئا من الداخل وبمجرد إبتعاده عن البوابة اشارت لآية بالتقدم وخرجت تركض كأنها فرت من السجن للحرية....
ظلت تركض وتبتعد وتبتعد و هي تتطلع ورائها بذعر.. حتى تعبت من السير فجلست على أحد الإستراحات لتأخذ نفسها قليلا وترتاح...
وضعت يدها بجيب بنطالها لتخرج الورقة التي دونت بها إنعام عنوانها لتجد الورقة قد وقعت منها وضاعت....
جلست مجددا وهي تتطلع بالطريق تفكر ماذا ستفعل؟! والا أين ستذهب؟!!
فهى رغم اي شئ لن تعود لهذا المكان مرة أخرى مهما كلفها الأمر....
لاحظت نظرات المارة لها، نظرة ترجمها عقلها أنها نفس نظرة الطبيب لها... فخافت وإبتعدت حتى بدأت الشوارع فى التزين بالهدوء الذى أخافها أكثر من الزحام...
حاول أحد المارة أن يتقرب منها ليس بالكلام فقط ولكن باللمس فخافت وإبتعدت حتى وجدت أمامها قسم شرطة ... ابتسمت وتذكرت أحد الأفلام التى رأتها وعبارة الشرطة فى خدمة الشعب...
فقررت ان تستخدم حقها بتلك الجملة.....
...............................................