الفصل 34

بعد تبادل السلام بينهم قصى جان عليه ما تذكره مع والدته ، ثم قال بتأكيد :
-هناك شيء أخر جعل والدتي تفضل العودة إلى موطنها بدلا من موت شقيقتنا
زفر دخان السيجارة في الهواء ثم قال بصوت مبحوح :
-جان .. أمي توفيت بعد وفاة شقيقتنا بشهرين ..
ثم تساءل متعجبا :
-لماذا تفكر في هذا الأمر الأن ؟!
-يبدو أن لويز من تسببت في موت أمي أيضا
تعجب جوزيف من حديث شقيقه وقال على الفور :

-لا هذا غير صحيح .. أمي كانت مريضة
***
مضت أيام تليها أيام والوضع كما هو مع جوزيف وجين ، تتمنى أن ترى للتحدث معه ولكن يخرج في الصباح الباكر ولم يعود ألا بعد منتصف الليل ويدخل إلى غرفته ، وإذا رآها صدفه كان يعاملها بقسوة وينظر إليها باشمئزاز ، وقسى عليها أكثر عندما أخبرته بكل شيء وما الدافع الذي جعلها تتعاون مع فيليب ، ليلقبها بالحمقاء البلهاء فهذا غير صحيح بالمرة ..
و يوم المواجهة وقفت تبكي أمامه لأنه لقبها بحمقاء فقالت بعصبية :
-لا زلت فتاة صغيرة .. فعلت هذا دون تفكير
-هذه ليست مشكلتي .. وما ذنبي أن اتزوج من فتاة قاصر تفعل كل شيء بحماقة
كان رده قاسي عليها جعلها تشعر بألم في صدرها الذي وضعت يديها عليه وقالت بنبرة بكاء :
-أفعالك قاسية وأيضا حديثك
ألتفت وجاء يفتح الباب أمسكت بمعصم يده ونظرت إليه بنظرة عتاب مؤلمة ، فيما تلاشى جوزيف النظر إليها حتى لا يضعف أمام بكائها ، فهي أخطأت ولابد من العقاب ، وجدت نفسها تقول دون تفكير :
-طلقني .. لست قادرة على تحمل قسوتك معي
سحب معصمه من يدها وخرج دون أن يتفوه بكلمة ، فاستندت بظهرها إلى الباب واضعة يديها على فاها تبكي ، تذكرت صديقتها التي لم تحدثها من فترة لتبكي أكثر ، كانت تود أن تتحدث معها وتشكي لها ألمها ولكن هي تجاهلت ، حقا شيء مؤلم عندما تكون وحيد و حولك الكثير ، ثم صعدت إلى الغرفة وتناولت هاتفها لتحدث بيير الذي أجاب عليها فوراً وطلبت مقابلته واعطت له عنوان المنزل ، ثم بدلت ثيابها وخرجت لتقف على الرصيف في انتظاره حتى وصل واستقلت السيارة

تجول في الشوارع لدقائق ثم صف سيارته جانب الطريق لينظر إليها باهتمام واضح ، وقصت عليه ما حدث في الفترة الأخيرة ، ليشعر بالغضب من جوزيف فكيف يتجرأ ويقسو على حبيبته ؟! ، ثم قال بحده :
-لابد أن تتركي يا جين .. إنسان قاسي بشع
مسحت دموعها بكلت يديها وقالت بحزن :
-أحبه كثيرا
اتسعت عيناه بحده متسائلا بتذمر :
-رغم قسوته عليكِ يا جين تحبي ؟!
شهقت بخفة من البكاء وهي تومئ برأسها بتأكيد قائلة :
-نعم أحبه يا بيير .. رغم قسوته أحبه
جز أسنانه بغيظ ثم شغل محرك السيارة وقاد بسرعة فائقة لتندهش جين من سرعته ، وقالت بخوف واضح :
-هدأ السرعة قليلا يا بيير ..
لم ينصت لها وأسرع أكثر حتى شعرت أن قلبها ليس في مكانه وأمسكت بيده وهي تصرخ بهلع :
-بيير قلت لك هدأ السرعة
شرد في الطريق بمبالغة حتى زاغت عيناه ولم يعد يرى الطريق بوضوح ، كأن حديث جين جعله يثمل لم يستمع إلى أحد ولا أمامه ، لقد جرحت قلبه العاشق لها بحديثها ، وشعر بالحيرة كيف تعشق رجل يقسو عليها وتترك من يتمنى لها كل الحب والخير ، أخذت جين تضربه على كتفه وتخبره أن يهدأ السرعة حتى فاق من شروده وصف سيارته جانب الطريق بقوة ليأتي جسدها إلى الأمام ويدفعها حزام الامان للخلف ثانية ..

فنظرت إليه متسع العينين بحده وجاءت تتحدث تحدث هو أولا بحده بالغة :
-تعشقين القاسي وتتركين الذي يحبك ولم يقسوا عليكِ يوماً ما
حدقت به للحظات ثم تساءلت بعدم فهم :
-ماذا تقصد بحديثك ؟!
ليجيب عليها بصوت عالي حاد :
-أقصد انني أحبك يا جين
ازدردت لعابها بصوت مستمع ونظرت إلى الأمام للحظات من الدهشة ، لتتذكر موقف صديقتها معها ، فهي تعلم أن جوليا تحب بيير واعترفت لها في السابق ، ولا بد أنها علمت بـ حب بيير لها ولهذا السبب هي تجاهلتها ، تنهدت بهدوء قائلة :

-اود العودة إلى المنزل


وصل جان إلى موطن والدته الغالية (( الكويت)) وذهب مباشرة إلى منزل جدته والتي ضمته إليها لدقائق متواصلة من البقاء وتبادل الاشتياق بينهم ثم سلم على أقاربه من والدته والتي لم يتعرف عليهم ولا يفهم من لغتهم شيئا ، وكانت جدته تترجم له حديثهم ، ثم أخذته إلى المنزل القديم الذي تربت والدته فيه ، كان منظم للغاية والعفش القديم يشبه الجديد ..

نظر جان حوله وهو يجلس على المقعد متسائلا :
-تمكثين هنا وحدك ؟!
جلست على الأريكة المجاورة لمقعده تربت على قدمه قائلة :
-نعم .. هذا المكان يذكرني بكل شيء جميل
لفت نظرها دبلة في يده اليسار فأمسكت بيده تطلع إليها عن قرب ، ثم رفعت رأسها إليه متسائلة :
-تزوجت ؟!
تنحنح بخفة وهو يومئ برأسه وقال :
-تزوجت من أوجيني .. ابنة عمي
اتسعت عيناها قائلة بعصبية :
-ماذا ؟! .. دانييل قد جن
-لماذا تقولين هذا ؟
تساءل جان متعجبا ، لتعود جدته إلى طبيعتها وأخبرته بلا شيء ، وجاءت تنهض أمسك جان بمعصمها وقال :
-أريد أن أعرف كل شيء يا جدتي .. لماذا أمي كانت تود العودة إلى الوطن ..
ثم تنهد بعمق وأردف :
-تذكرت شيئا .. والدتي كانت تبكي وهي توصيني ألا انسى ديني .. وتذكرت أنها تشاجرت مع والدي بسبب خادمة جلبتها عمتي لويز تعمل في القصر
بدأت نقص عليه الحكاية ، جده تزوج صديقتها التي كانت تدرس في فرنسا ، وجاء إلى الكويت ليتم الزواج ، وانفصلا لتعود إلى موطنها ومعها أبنائها الذي أصبحوا شباب ، تعرف دانييل على ابنتها وحبها كثيراً وعندما جاء والده ليعود إلى زوجته أخبر والده أنه يود الزواج منها ، سعدت والدة دانييل كثيراً لأنها تكون ابنة صديقتها المقربة هذا كان شرطها ، لم تعود معه ألا بعد زواج دانييل من تلك الفتاة الرائعة و وافق فورا ..

توقفت عن الحديث عندما دق الباب ونهضت متجه نحوه وفتحت لتجد الخادمة الخاصة بها ومعها الخضار ، دخلت على المطبخ فورا فيما عادت الجدة مكانها وقالت مبتسمة :
-سأخضر لك غداء رائع بنفسي
-لا أريد اليوم .. سوف امكث معك لبضعة أيام .. فقط أكملي
استقام ظهرها وأكملت حديثها :
-ابنتي الغالية رفضت الزواج لأنه سيأخذها معه إلى فرنسا .. كانت تريد أن تظل في موطنها دولة عربية .. أخبرها أنه يسكن في قرية بسيطة معظمهم مسلمين غير المدينة .. أقنعها وتزوجت وسافرت معه ..
تبسمت ومسحت على وجهه بحنان متابعة :
-أنجبت جوزيف .. الفرحة الأولى ..
ثم أمسكت بيده وتابعت بحزن واضح :
-عمك عشق لويز ورفض جدك أن يتزوجها فتزوجها رغما عنه .. جدتك صديقتي الغالية مرضت كثيراً وتوفاها الله ثم جدك الذي لم يتحمل فراقها .. عاد عمك وطالب بحقة في الميراث ليعطي دانييل حقه بالعدل .. بيرنارد قرر أن يبيع القصر ولكن رفض دانييل بشدة لأنه قصر عائلة اورليان منذ زمن .. عمك بيرنارد قام ببياعة نصيبة في القصر إلى والدك .. ولكن خسر بيرنارد ماله وعاد إلى والدك مكسور .. ولم يتحمل أن يرى شقيقة ابن اورليان يعلن إفلاسه
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي