الفصل، الثاني، والثلاثون
كانت راما ستنهال عليه بلسانها ولكن رنين هاتفها اوقفها.. طالعت شاشته بكفيها الملطختين بالالوان و قالت بتعحب:
_ أبي؟!
اجابته قائلة بحذر:
_ نعم يا ابي؟!
اتاها صوته قائلا بصراخ:
_ راما اسمعيني جيدا.. سياتي اليك هذا الضابط زيد لياخذك اخرجي معه فورا فانتِ بخطر.
تطلعت راما بزيد الذي يطالعها بإنتصار و اجابت والدها قائلة:
_ حسنا و لكن اولا هل سامحتني على تجاوزى معك يا ابي؟!
_ سامحتك يا حبيبتي ولكن الان نفذى ما قلته اتفقنا.
اومأت برأسها و قالت بإنصياع:
_ اتفقنا لا تقلق سأكون بخير.
قالتها و هي قد تعلقت بتلك العينين و التي تعلم جيدا انهما سيحرسانها ويحميانها بكل قوة و عزم.
اغلقت الهاتف و قالت لزيد بنبرة هادئة:
_ دقائق وسأكون جاهزة.
جذبها من ذراعها و هو يقول بتذمر هادئ:
_ ليس امامنا دقائقك التي اعلمها جيدا حينما تفكرين فقط بتغير ملابسك.. ستأتين معي هكذا .
وقف امام السور و قال لها:
_ سأحملك من خصرك و انتِ تمسكي بالسور و اقفزى حتي تجلسين عليه.
ابتسمت راما ابتسامة جانبية ساخرة و تشبثت بالسور و صعدته بمهارة و جلست فوقه و هي تقول بغرور:
_ لقد تدربت سابقا علي كل هذه الامور الا تتذكر يا حضرة الضابط تدريباتك لي.
كان الهواء يطير شعراتها الصفراء مع تدافع اشعة الشمس للمرور بين شعراتها فجعلتها اجمل من اجمل لوحة رسمتها..
لعن زيد غباؤه و بما يفكر فيه و بقفزة واحدة تسلق السور وجلس بجوارها قائلا:
_ نعم اتذكر.. هيا بنا.
قفزا داخل حديقة البيت المجاور لبيتها و ساروا به بحرص حتي وصلوا للسور الخلفي عبراه حتي باتا امام سيارة زيد فصعدها قائلا بهمس و هو يتطلع حوله بقلق:
_ اصعدى بالمقعد الخلفي و تمددى بين المقاعد كي لا يراكي احد اسرعي.
نفذت ما قاله و اندفعت السيارة مسرعة ليبتعد بها عن البيت و هو يتطلع حوله لكل حركة بتوجس....
• * * * * *
في الظهيرة ذهبت آية للبنك لتحصيل معاش جدتها وسحب مبلغ مالى من حسابها لشراء لوزام شخصية لها و ربما لاستنشاق بعض الهواء النقي بعيدا عن البيت وضغط الجميع عليها.. وضغط نفسها ايضا التي لا تتواني عن الاشتياق اليه و هو لا يتذكرها من الاساس ويستمر في سهره و خروجه كأن خاتمها الذي بيده لا قيمة له...
أنهت معاملتها المالية وخرجت تسوقت واشترت بعض الأغراض التى تحتاجها للمنزل وهى عائدة رأت نفس السيارة التى نزل منها مروان سابقا تقف ببطء بجوار بناية عالية......
وصدمت حين رأت مروان يترجل منها هو و فتاه ترتدى ملابس متحررة.. إتجه مروان ناحيتها طوق كتفيها بذراعيه ودلفا للبناية ....
وقفت آية مذهولة لثوانى أو لدقائق أو ربما لساعات لم تشعر بالوقت ولا بنفسها ولكنها تغلبت على ذهولها وذهبت لهذه البناية ، اقتربت من حارس البناية وقالت بتوتر :
_ السلام عليكم.
اجابها واقفا بإحترام:
_ وعليكم السلام.. هل تحتاجين شئ او تسألين عن احد آنستي؟!
تطلعت ناحية الدرج الرخامي الفخم و قالت بتلعثم و هر تشير بذراعها:
_ أريد أن أذهب إلا حيث ذهب الشخص الذى دلف مع الفتاة من هذه السيارة الواقفة هناك.
نظر لها الحارس نظرة إحتقار وهو يتابع ملابسها المحتشمة بسخرية وجلس قائلا بفتور :
_ الدور الثالث سقة سبعة.
ابتعد عنها بعينيه وهو يزفر بغضب ظنا منه انها كالفتيات اللاتي يأتين لتلك الشقة بصحبة شباب ....
طالعت نفوره منها بتعجب ودخلت البناية لا تعلم ماذا ينتظرها
صعدت مستخدمة الدرج وهي تبحث بعينيها عن الشقة حتي وجدتها.. تصارعت انفاسها و دقات قلبها بقلق حتي انها لفت بجسدها و هبطت الدرج الا ان توقفت وعادت للصعود مرة اخرى...
وقفت أمام باب الشقة لدقائق وشعور من الخوف و التوجس يملؤها.. سحبت نفسا طويلا وقد إستجمعت قواها وطرقت الباب...
بعد قليل فتح لها مروان الباب وهو يغلق زر بنطاله وقال بتلقائية :
_ لماذا أتيت باكرا يا عبده الم اخبرك انني احتاج الشقة للساعة.... .
حتي وقعت عينيه علي آية التي تطالعه بنظرات خاوية ضائعة... وقف مصعوقا ينظر لها وتنظر له وهو بدون قميصه ويرتدى بنطاله بخزى...
وقع كل ما بيدها حتى حقيبتها دون أن تشعر.
إبتلعت ريقها بتوتر و هي ترفض ما يخيله له عقلها ثم نظرت له بإشمئزاز وقالت :
_ الآن اتوهم ايضا يا مروان.. قلها.. اخبرني انني اتوهم و انك لا تقف امامي شبه عارى ومعك فتاة بنفس الشقة.. انت لست سوى حيوان جميعكم حيوانات لا أكثر.
نظر لها بخوف وتطلع حوله علي الدرج بقلق وقال هامسا بصوت خفيض :
_ ارجوكي اخفضي من صوتك و انا سأشرح لكِ كل شئ.
صرخت به كالطير المدبوح وقالت :
_تشرح لي؟!! وهل بإمكانك شرح ما كنت تفعله او ستفعله لي؟! يا عديم الدين و الأخلاق.. تحملتك كثيرا و انت حجر لا تشعر.. انا لا اريد رؤيتك مجددا.
جذبها من ذراعها وأدخلها الشقة خوفا من صوتها العالي وقال بصياح :
_ اخفضي من صوتك سيتجمع حولنا الجيران.
خرجت من غرفة بجانبه فتاه ترتدى قميص قصير عارى علي صوته.. نظرت لها آية بقرف وقالت بصراخ هيستيري :
_ اخبرها ان تبتعد عن وجهي و الا سأرتكب جريمة الآن يا حقير.
دخلت الفتاة الغرفة مجددا بنظرة واحدة من مروان و إلتفت لآية وطالعها بقوة قائلا بغضب :
_ هل تراقبينني يا آية؟!
نظرت له بتعجب وقالت بنبرة ضائعة :
_ اراقبك؟!! هل هذا ما يهمك الآن اني اراقبك ام رايتك بالصدفة و انا اشترى لوازم البيت.. لم ارى بجراتك و حقارتك بحياتي و لن أرى يا مروان.
نظر لها بوقاحة وقال بسخرية و هو يطالعها شرزا :
_ اريد ان افهم شيئا واحدا.. لماذا تنصبين لي المحكمة و تحاكميني.. أنتِ السبب لكل شئ صرت عليه الآن.
إقترب منها كثيرا حتي بات ملاصقا لها بصدره العارى و قال بصياح:
_ أنتِ السبب.. تطلعي بي جيدا، انسان قد تدمر و ضاع مستقبله.. كلما تذكرت ان هذا الكلب قد لمسك و اخذ منكِ ما كان لي اشعر بانني اموت.. كلما تطلعت بوجهك ارى وجهه هو و هو يبتسم لي بإنتشاء بعدما حرمني من حقي بكِ.
قبض علي ذقنها بقوة و هي تطالعه بملامح مجمدة ملامح جثة باردة فقدت الحياة و قد غادرتها روحها و هو يتابع دون رحمة او شفقة بحالتها:
_ لقد أصبحتِ شبح له بعيني كلما لمستك و اتخيل انه لمسك قبلي اموت يا آية.. تطلعي بوجهي لقد تحولت لمسخ بسببك و الآن و بمنتهي الجرأة تحاسبينني.
ازاحت يده عن وجهها بتقزز ولم تشعر بنفسها إلا وهى تصفعه على وجهه ورميت خاتمه فى وجهه وخرجت مسرعة ودموعها تحجب رؤيتها....
هبطت الدرج وهي تركض حتى خرجت من البناية، وقفت تتطلع حولها بضياع وشرود وهى لا ترى شيئا من دموعها التي تنهمر بصمت قاتل...
أخذتها قدماها بعيدا .. وظلت تسير وتسير وهى لا تعلم إلى أين تذهب، تريد التنفس وكأن يدا تكبل رقبتها محاولة لخنقها كما خنقتها كلماته....
تهاوى مروان على الأرض وسقطت دموعه رغما عنه فسألته الفتاه بتعجب :
_ من هذه الفتاة يا مارو ولماذا كنت تصرخ بهذا الشكل؟!
استند مروان براسه علي الحائط خلفه وقال بألم :
_ اتركيني بمفردى اذا سمحتِ.
زفرت بضيق وقالت وهي تجذبه من ذراعه بدلال ناعم :
_ لا تخرجني من حالتي المنتشية يا مروان و تعال معي و انا سأنسيك اسمك وحزنك وهذه الفتاة البائسة.
صرخ بها وقال بجنون :
_ لقد قلت لك ان تتركيني بمفردى الا تفهمين؟!
هرولت من امامه و عادت لغرفتها بينما وقف هو وإجتذب قميصه و سترته وخرج مهرولا..
أغلق هاتفه وجلس أمام النيل يشكو له همومه وحزنه فهى من الآن ليست له ولن تسامحه مرة أخرى.. فكيف له بالحرمان من محبوبته الصغيرة بعدما تعلق بها و اصبحت جزءا منه..
شعرت آية بآلام بقدميها فوقفت تتطلع حولها حتى سألت نفسها بحزن :
_ لا اجد مكانا اذهب اليه الآن.. حتي والدى قد سافر و لفظني من حياته.. لا اريد العودة اليهم كي لا اراه فانا متعبة.
تذكرت آية عمتها فقالت بداخلها :
_ عمتي.. لن اجد غيرها لأذهب اليه حتي اوءمن حياة هادئة بعيدا عن الجميع.
ثم تذكرت أنها لا تحمل حقيبتها التى سقطت منها عنده، لاحظت أنها تحمل بجيب سترتها معاش جدتها فقالت براحة :
_ سامحيني يا جدتي سأتركك بمفردك و احرمك من معاشك لأنني احتاجهم و وعدا مني سأردهم لكِ.
استقلت سيارة المنصورة وكانت طوال الطريق لايفارقها مروان وهو يرتدى ملابسه أمامها وكلامه الجارح الذى ذبحها و قتل كل شئ بينهما...
ألهذا الحد يكرهها؟!!
فلماذا يقول لها دائما أنه يحبها؟! اكان يخدعها؟!
لم تسيطر على دموعها التى إنهمرت دون توقف وهي تتابع الطريق بألم....
لاحظت توقف السيارة فترجلت منها لبلد اول مرة تزورها و لا تعرف بها احد ولا شئ سوى عنوان عمتها و الذي تركه مروان لها يوم قابلها تتذكر جيدا اسم المكان ستذهب اليه و تسال و ستجده ...
سارت بالطريق دون هدى و دموعها لا تتوقف لم تشعر إلا وهى تُصدم بقوة من سيارة مسرعة....... لتسقط على الأرض متأوهة و متألمة من رأسها و جسدها.. وبدأت الإضاءة فى الإختفاء من أمامها شيئا فشئ حتي اختفت.....
..........................................
.............
توقفت السيارة و هو يطالع صمتها من المرآة الأمامية بحزن.. لم تنطق بكلمة واحدة معه طوال سفرهم الطويل آثرت الصمت و الهدوء.. اشار زيد لحازم الواقف امام بيته وينتظره بيده..
والتفت لراما قاىلا بهدوءه المتزن:
_ وصلنا.. تعالي لأعرفك بحازم صديقي.
هزت كتفيها بتسليم وترجلت من السيارة.. وزيد صاحبها لحازم الواقف مشدوها من جمالها الساحر....
صافح زيد حازم و قال له بإبتسامة خافتة:
_ اشتقت اليك يا صديقي.. ارجو الا اكون قد سببت لكم ازعاجا بمجيئنا.
طالعه حازم بلوم و قال معاتبا:
_ لا تقل هذا فأمي تنتظركما بسعادة انت تعلم جيدا محبتك في قلبها يا زيد.
التف زيد برأسه ناحية راما و قال معرفا:
_ راما هذا صديق عمرى حازم و انتِ ستبقين عنده و لا تقلقي فأمه سيدة شديدة الطيبة و الود و لديه اختان صغيرتان سيؤنسان وقتك.
مدت راما ذراعها لحازم و قالت بإبتسامتها المشرقة:
_ تشرفت بالتعرف عليك يا حازم.
طالع حازم الالوان بكفها و صافحها فأسرعت قائلة للتوضيح:
_ عذرا علي بشاعة يدى وهيأتي و لكن غنام لم يعطني وقت لتنظيف نفسي علي الاقل.
ضيق حازم عينيه و قال بتساؤل متعحبا:
_ غنام؟!
تعالت ضحكات زيد و قال له بمزاح:
_ غنام هذا هو انا فهي مازالت علي عنادها بأنني غنام السايس لا زيد ضابط الشرطة و لا اجد حلا لتلك المشكلة.
رفعت راما عينيها بملل و قالت:
_ انا لست عنيده و انت سواء غنام او زيد هذا لا تفرق معي من الأساس.. فهمتني.
و تركتهم و سارت مبتعدة.. ثم توقفت و عادت لحازم قائلة بإحراج:
_ هلا رافقتني فانا لا اعرف الطريق.
إبتسم زيد وحازم عليها بينما اشار لها حازم بذراعه ان تتقدمه و سار بجوارها حتي دلفا للبيت..
صعدت ورائه الدرج و هي تشعر بالقلق.. حتي رأت امامها سيدة كبيرة يبدو عليها الطيبة و الود كما قال زيد و تبتسم اليها بحنو و قالت مرحبةً بها:
_ اهلا وسهلا حبيبتي.. تفضلي.
صافحتها راما بينما قال حازم مسرعا:
_ امي اهتمي بها فهي خطيبة زيد و انتِ تعلمين غلاوته عندى.
اجابته امه وهي تربت علي ظهرها قائلة:
_ و عندى ايضا لا تقلق عليها.
تركهم حازم و نزل بعض درجات لتستوقفه راما قائلة:
_ حازم.
التفت اليها حازم قائلا:
_ تفضلي.
فركت راما أصابعها بخجل و هي تقول:
_ اخبر غنام انني اريد ادويتي لا يمكنني التوقف عن تناولها وهو يعرفها جيدا.
قطبت احلام حاجبيها و قالت بتعجب:
_ غنام؟!
تنحنحت راما و قالت بخجل:
_ اقصد زيد.. فقط اخبره و هو يعرف كيف سيجدها.
اومأ حازم برأسه و قال بإنصياع متفهم:
_ لا تقلقي سنحضرها لك و سنحضر لك ملابس جديدة ربما ملابس اختي لن تعجبك فنحن كما ترين لسنا بمستواكم الاجتماعي و........ .
استوقفته راما مسرعة و قالت:
_ لا تقل هذا يكفي انكم تستقبلوني ببيتكم و سأكون عبئاً عليكم و هي فقط مسألة ايام و سأعود لأبي.. و انا لا اعترف بكلمة مستويات تلك فأرجوك لا تعيدها.
فسالها حازم بجدية قائلا:
_ حسنا كما ترغبين.. هل تريدين شيئا مع الأدوية؟!
هزت رأسها نافية و قالت بإمتنان:
_ لا شكرا لكما.
تركها و ابتعد بينما حثتها امه علي الدخول قائلة:
_ تفضلي يا حبيبتي البيت بيتك.
اقترب حازم من زيد و قال له:
_ تريد ادويتها و اخبرتني انك تعلمها فتعال معي لنشتريها لها و عاود انت كي تتمكنوا من القبض عليهم بإذن الله.
ربت زيد على ذراعه و قال بإمتنان:
_ حبيبي.. راما طيبة و هادئة و لن تشعروا بها لا تقلق.
ابتسم حازم بسخرية و قال متهكما:
_ ولكن اولاد تلك الطبقة لا يشبهوننا بشئ، هل تعتقد انها ستحتمل العيش ببيتنا المتواضع ؟! يومين و سترى بيتنا وحينا مقززين و ستطلب الرحيل انا متأكد.
اجابه زيد قائلا بثقة عمياء:
_ راما ليست چيلان يا حازم و انا متأكد من ذلك و اعلم انك ستتأكد مثلي بعد جلوسها معكم.
لم يعقب حازم علي ما قاله و لكنهما صعدا سيارة زيد لشراء ادويتها مبتعدين عن البيت....
_ أبي؟!
اجابته قائلة بحذر:
_ نعم يا ابي؟!
اتاها صوته قائلا بصراخ:
_ راما اسمعيني جيدا.. سياتي اليك هذا الضابط زيد لياخذك اخرجي معه فورا فانتِ بخطر.
تطلعت راما بزيد الذي يطالعها بإنتصار و اجابت والدها قائلة:
_ حسنا و لكن اولا هل سامحتني على تجاوزى معك يا ابي؟!
_ سامحتك يا حبيبتي ولكن الان نفذى ما قلته اتفقنا.
اومأت برأسها و قالت بإنصياع:
_ اتفقنا لا تقلق سأكون بخير.
قالتها و هي قد تعلقت بتلك العينين و التي تعلم جيدا انهما سيحرسانها ويحميانها بكل قوة و عزم.
اغلقت الهاتف و قالت لزيد بنبرة هادئة:
_ دقائق وسأكون جاهزة.
جذبها من ذراعها و هو يقول بتذمر هادئ:
_ ليس امامنا دقائقك التي اعلمها جيدا حينما تفكرين فقط بتغير ملابسك.. ستأتين معي هكذا .
وقف امام السور و قال لها:
_ سأحملك من خصرك و انتِ تمسكي بالسور و اقفزى حتي تجلسين عليه.
ابتسمت راما ابتسامة جانبية ساخرة و تشبثت بالسور و صعدته بمهارة و جلست فوقه و هي تقول بغرور:
_ لقد تدربت سابقا علي كل هذه الامور الا تتذكر يا حضرة الضابط تدريباتك لي.
كان الهواء يطير شعراتها الصفراء مع تدافع اشعة الشمس للمرور بين شعراتها فجعلتها اجمل من اجمل لوحة رسمتها..
لعن زيد غباؤه و بما يفكر فيه و بقفزة واحدة تسلق السور وجلس بجوارها قائلا:
_ نعم اتذكر.. هيا بنا.
قفزا داخل حديقة البيت المجاور لبيتها و ساروا به بحرص حتي وصلوا للسور الخلفي عبراه حتي باتا امام سيارة زيد فصعدها قائلا بهمس و هو يتطلع حوله بقلق:
_ اصعدى بالمقعد الخلفي و تمددى بين المقاعد كي لا يراكي احد اسرعي.
نفذت ما قاله و اندفعت السيارة مسرعة ليبتعد بها عن البيت و هو يتطلع حوله لكل حركة بتوجس....
• * * * * *
في الظهيرة ذهبت آية للبنك لتحصيل معاش جدتها وسحب مبلغ مالى من حسابها لشراء لوزام شخصية لها و ربما لاستنشاق بعض الهواء النقي بعيدا عن البيت وضغط الجميع عليها.. وضغط نفسها ايضا التي لا تتواني عن الاشتياق اليه و هو لا يتذكرها من الاساس ويستمر في سهره و خروجه كأن خاتمها الذي بيده لا قيمة له...
أنهت معاملتها المالية وخرجت تسوقت واشترت بعض الأغراض التى تحتاجها للمنزل وهى عائدة رأت نفس السيارة التى نزل منها مروان سابقا تقف ببطء بجوار بناية عالية......
وصدمت حين رأت مروان يترجل منها هو و فتاه ترتدى ملابس متحررة.. إتجه مروان ناحيتها طوق كتفيها بذراعيه ودلفا للبناية ....
وقفت آية مذهولة لثوانى أو لدقائق أو ربما لساعات لم تشعر بالوقت ولا بنفسها ولكنها تغلبت على ذهولها وذهبت لهذه البناية ، اقتربت من حارس البناية وقالت بتوتر :
_ السلام عليكم.
اجابها واقفا بإحترام:
_ وعليكم السلام.. هل تحتاجين شئ او تسألين عن احد آنستي؟!
تطلعت ناحية الدرج الرخامي الفخم و قالت بتلعثم و هر تشير بذراعها:
_ أريد أن أذهب إلا حيث ذهب الشخص الذى دلف مع الفتاة من هذه السيارة الواقفة هناك.
نظر لها الحارس نظرة إحتقار وهو يتابع ملابسها المحتشمة بسخرية وجلس قائلا بفتور :
_ الدور الثالث سقة سبعة.
ابتعد عنها بعينيه وهو يزفر بغضب ظنا منه انها كالفتيات اللاتي يأتين لتلك الشقة بصحبة شباب ....
طالعت نفوره منها بتعجب ودخلت البناية لا تعلم ماذا ينتظرها
صعدت مستخدمة الدرج وهي تبحث بعينيها عن الشقة حتي وجدتها.. تصارعت انفاسها و دقات قلبها بقلق حتي انها لفت بجسدها و هبطت الدرج الا ان توقفت وعادت للصعود مرة اخرى...
وقفت أمام باب الشقة لدقائق وشعور من الخوف و التوجس يملؤها.. سحبت نفسا طويلا وقد إستجمعت قواها وطرقت الباب...
بعد قليل فتح لها مروان الباب وهو يغلق زر بنطاله وقال بتلقائية :
_ لماذا أتيت باكرا يا عبده الم اخبرك انني احتاج الشقة للساعة.... .
حتي وقعت عينيه علي آية التي تطالعه بنظرات خاوية ضائعة... وقف مصعوقا ينظر لها وتنظر له وهو بدون قميصه ويرتدى بنطاله بخزى...
وقع كل ما بيدها حتى حقيبتها دون أن تشعر.
إبتلعت ريقها بتوتر و هي ترفض ما يخيله له عقلها ثم نظرت له بإشمئزاز وقالت :
_ الآن اتوهم ايضا يا مروان.. قلها.. اخبرني انني اتوهم و انك لا تقف امامي شبه عارى ومعك فتاة بنفس الشقة.. انت لست سوى حيوان جميعكم حيوانات لا أكثر.
نظر لها بخوف وتطلع حوله علي الدرج بقلق وقال هامسا بصوت خفيض :
_ ارجوكي اخفضي من صوتك و انا سأشرح لكِ كل شئ.
صرخت به كالطير المدبوح وقالت :
_تشرح لي؟!! وهل بإمكانك شرح ما كنت تفعله او ستفعله لي؟! يا عديم الدين و الأخلاق.. تحملتك كثيرا و انت حجر لا تشعر.. انا لا اريد رؤيتك مجددا.
جذبها من ذراعها وأدخلها الشقة خوفا من صوتها العالي وقال بصياح :
_ اخفضي من صوتك سيتجمع حولنا الجيران.
خرجت من غرفة بجانبه فتاه ترتدى قميص قصير عارى علي صوته.. نظرت لها آية بقرف وقالت بصراخ هيستيري :
_ اخبرها ان تبتعد عن وجهي و الا سأرتكب جريمة الآن يا حقير.
دخلت الفتاة الغرفة مجددا بنظرة واحدة من مروان و إلتفت لآية وطالعها بقوة قائلا بغضب :
_ هل تراقبينني يا آية؟!
نظرت له بتعجب وقالت بنبرة ضائعة :
_ اراقبك؟!! هل هذا ما يهمك الآن اني اراقبك ام رايتك بالصدفة و انا اشترى لوازم البيت.. لم ارى بجراتك و حقارتك بحياتي و لن أرى يا مروان.
نظر لها بوقاحة وقال بسخرية و هو يطالعها شرزا :
_ اريد ان افهم شيئا واحدا.. لماذا تنصبين لي المحكمة و تحاكميني.. أنتِ السبب لكل شئ صرت عليه الآن.
إقترب منها كثيرا حتي بات ملاصقا لها بصدره العارى و قال بصياح:
_ أنتِ السبب.. تطلعي بي جيدا، انسان قد تدمر و ضاع مستقبله.. كلما تذكرت ان هذا الكلب قد لمسك و اخذ منكِ ما كان لي اشعر بانني اموت.. كلما تطلعت بوجهك ارى وجهه هو و هو يبتسم لي بإنتشاء بعدما حرمني من حقي بكِ.
قبض علي ذقنها بقوة و هي تطالعه بملامح مجمدة ملامح جثة باردة فقدت الحياة و قد غادرتها روحها و هو يتابع دون رحمة او شفقة بحالتها:
_ لقد أصبحتِ شبح له بعيني كلما لمستك و اتخيل انه لمسك قبلي اموت يا آية.. تطلعي بوجهي لقد تحولت لمسخ بسببك و الآن و بمنتهي الجرأة تحاسبينني.
ازاحت يده عن وجهها بتقزز ولم تشعر بنفسها إلا وهى تصفعه على وجهه ورميت خاتمه فى وجهه وخرجت مسرعة ودموعها تحجب رؤيتها....
هبطت الدرج وهي تركض حتى خرجت من البناية، وقفت تتطلع حولها بضياع وشرود وهى لا ترى شيئا من دموعها التي تنهمر بصمت قاتل...
أخذتها قدماها بعيدا .. وظلت تسير وتسير وهى لا تعلم إلى أين تذهب، تريد التنفس وكأن يدا تكبل رقبتها محاولة لخنقها كما خنقتها كلماته....
تهاوى مروان على الأرض وسقطت دموعه رغما عنه فسألته الفتاه بتعجب :
_ من هذه الفتاة يا مارو ولماذا كنت تصرخ بهذا الشكل؟!
استند مروان براسه علي الحائط خلفه وقال بألم :
_ اتركيني بمفردى اذا سمحتِ.
زفرت بضيق وقالت وهي تجذبه من ذراعه بدلال ناعم :
_ لا تخرجني من حالتي المنتشية يا مروان و تعال معي و انا سأنسيك اسمك وحزنك وهذه الفتاة البائسة.
صرخ بها وقال بجنون :
_ لقد قلت لك ان تتركيني بمفردى الا تفهمين؟!
هرولت من امامه و عادت لغرفتها بينما وقف هو وإجتذب قميصه و سترته وخرج مهرولا..
أغلق هاتفه وجلس أمام النيل يشكو له همومه وحزنه فهى من الآن ليست له ولن تسامحه مرة أخرى.. فكيف له بالحرمان من محبوبته الصغيرة بعدما تعلق بها و اصبحت جزءا منه..
شعرت آية بآلام بقدميها فوقفت تتطلع حولها حتى سألت نفسها بحزن :
_ لا اجد مكانا اذهب اليه الآن.. حتي والدى قد سافر و لفظني من حياته.. لا اريد العودة اليهم كي لا اراه فانا متعبة.
تذكرت آية عمتها فقالت بداخلها :
_ عمتي.. لن اجد غيرها لأذهب اليه حتي اوءمن حياة هادئة بعيدا عن الجميع.
ثم تذكرت أنها لا تحمل حقيبتها التى سقطت منها عنده، لاحظت أنها تحمل بجيب سترتها معاش جدتها فقالت براحة :
_ سامحيني يا جدتي سأتركك بمفردك و احرمك من معاشك لأنني احتاجهم و وعدا مني سأردهم لكِ.
استقلت سيارة المنصورة وكانت طوال الطريق لايفارقها مروان وهو يرتدى ملابسه أمامها وكلامه الجارح الذى ذبحها و قتل كل شئ بينهما...
ألهذا الحد يكرهها؟!!
فلماذا يقول لها دائما أنه يحبها؟! اكان يخدعها؟!
لم تسيطر على دموعها التى إنهمرت دون توقف وهي تتابع الطريق بألم....
لاحظت توقف السيارة فترجلت منها لبلد اول مرة تزورها و لا تعرف بها احد ولا شئ سوى عنوان عمتها و الذي تركه مروان لها يوم قابلها تتذكر جيدا اسم المكان ستذهب اليه و تسال و ستجده ...
سارت بالطريق دون هدى و دموعها لا تتوقف لم تشعر إلا وهى تُصدم بقوة من سيارة مسرعة....... لتسقط على الأرض متأوهة و متألمة من رأسها و جسدها.. وبدأت الإضاءة فى الإختفاء من أمامها شيئا فشئ حتي اختفت.....
..........................................
.............
توقفت السيارة و هو يطالع صمتها من المرآة الأمامية بحزن.. لم تنطق بكلمة واحدة معه طوال سفرهم الطويل آثرت الصمت و الهدوء.. اشار زيد لحازم الواقف امام بيته وينتظره بيده..
والتفت لراما قاىلا بهدوءه المتزن:
_ وصلنا.. تعالي لأعرفك بحازم صديقي.
هزت كتفيها بتسليم وترجلت من السيارة.. وزيد صاحبها لحازم الواقف مشدوها من جمالها الساحر....
صافح زيد حازم و قال له بإبتسامة خافتة:
_ اشتقت اليك يا صديقي.. ارجو الا اكون قد سببت لكم ازعاجا بمجيئنا.
طالعه حازم بلوم و قال معاتبا:
_ لا تقل هذا فأمي تنتظركما بسعادة انت تعلم جيدا محبتك في قلبها يا زيد.
التف زيد برأسه ناحية راما و قال معرفا:
_ راما هذا صديق عمرى حازم و انتِ ستبقين عنده و لا تقلقي فأمه سيدة شديدة الطيبة و الود و لديه اختان صغيرتان سيؤنسان وقتك.
مدت راما ذراعها لحازم و قالت بإبتسامتها المشرقة:
_ تشرفت بالتعرف عليك يا حازم.
طالع حازم الالوان بكفها و صافحها فأسرعت قائلة للتوضيح:
_ عذرا علي بشاعة يدى وهيأتي و لكن غنام لم يعطني وقت لتنظيف نفسي علي الاقل.
ضيق حازم عينيه و قال بتساؤل متعحبا:
_ غنام؟!
تعالت ضحكات زيد و قال له بمزاح:
_ غنام هذا هو انا فهي مازالت علي عنادها بأنني غنام السايس لا زيد ضابط الشرطة و لا اجد حلا لتلك المشكلة.
رفعت راما عينيها بملل و قالت:
_ انا لست عنيده و انت سواء غنام او زيد هذا لا تفرق معي من الأساس.. فهمتني.
و تركتهم و سارت مبتعدة.. ثم توقفت و عادت لحازم قائلة بإحراج:
_ هلا رافقتني فانا لا اعرف الطريق.
إبتسم زيد وحازم عليها بينما اشار لها حازم بذراعه ان تتقدمه و سار بجوارها حتي دلفا للبيت..
صعدت ورائه الدرج و هي تشعر بالقلق.. حتي رأت امامها سيدة كبيرة يبدو عليها الطيبة و الود كما قال زيد و تبتسم اليها بحنو و قالت مرحبةً بها:
_ اهلا وسهلا حبيبتي.. تفضلي.
صافحتها راما بينما قال حازم مسرعا:
_ امي اهتمي بها فهي خطيبة زيد و انتِ تعلمين غلاوته عندى.
اجابته امه وهي تربت علي ظهرها قائلة:
_ و عندى ايضا لا تقلق عليها.
تركهم حازم و نزل بعض درجات لتستوقفه راما قائلة:
_ حازم.
التفت اليها حازم قائلا:
_ تفضلي.
فركت راما أصابعها بخجل و هي تقول:
_ اخبر غنام انني اريد ادويتي لا يمكنني التوقف عن تناولها وهو يعرفها جيدا.
قطبت احلام حاجبيها و قالت بتعجب:
_ غنام؟!
تنحنحت راما و قالت بخجل:
_ اقصد زيد.. فقط اخبره و هو يعرف كيف سيجدها.
اومأ حازم برأسه و قال بإنصياع متفهم:
_ لا تقلقي سنحضرها لك و سنحضر لك ملابس جديدة ربما ملابس اختي لن تعجبك فنحن كما ترين لسنا بمستواكم الاجتماعي و........ .
استوقفته راما مسرعة و قالت:
_ لا تقل هذا يكفي انكم تستقبلوني ببيتكم و سأكون عبئاً عليكم و هي فقط مسألة ايام و سأعود لأبي.. و انا لا اعترف بكلمة مستويات تلك فأرجوك لا تعيدها.
فسالها حازم بجدية قائلا:
_ حسنا كما ترغبين.. هل تريدين شيئا مع الأدوية؟!
هزت رأسها نافية و قالت بإمتنان:
_ لا شكرا لكما.
تركها و ابتعد بينما حثتها امه علي الدخول قائلة:
_ تفضلي يا حبيبتي البيت بيتك.
اقترب حازم من زيد و قال له:
_ تريد ادويتها و اخبرتني انك تعلمها فتعال معي لنشتريها لها و عاود انت كي تتمكنوا من القبض عليهم بإذن الله.
ربت زيد على ذراعه و قال بإمتنان:
_ حبيبي.. راما طيبة و هادئة و لن تشعروا بها لا تقلق.
ابتسم حازم بسخرية و قال متهكما:
_ ولكن اولاد تلك الطبقة لا يشبهوننا بشئ، هل تعتقد انها ستحتمل العيش ببيتنا المتواضع ؟! يومين و سترى بيتنا وحينا مقززين و ستطلب الرحيل انا متأكد.
اجابه زيد قائلا بثقة عمياء:
_ راما ليست چيلان يا حازم و انا متأكد من ذلك و اعلم انك ستتأكد مثلي بعد جلوسها معكم.
لم يعقب حازم علي ما قاله و لكنهما صعدا سيارة زيد لشراء ادويتها مبتعدين عن البيت....